مقاصد التربية في الإسلام وأسلوبها

2012-04-04, 9:05 am

حامد المهيري

"التربية عملية تنمية متكاملة لكافة قوى وملكات الفرد، بمختلف الأساليب
والطرق، ليكون سعيدا وعضوا صالحا في مجتمعه، وهي بذلك تشمل جميع جوانب
شخصيته: الروحية والعقلية والخلقية والاجتماعية والوجدانية والجمالية
والبدنية. أما عملية التعليم فهي– كجزء من العملية التربوية الكاملة– ترمي
أساسا إلى تنمية عقل الفرد وتمكينه من اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة
لحياته ودرايته بعلم ما أو فن ما، أو حرفة أو مهنة ما ونحو ذلك".

إن الباحث في عملية التربية يجد تعريفات كثيرة قديمة وحديثة، كلها تسعى
لتقديم الأسلوب والطريقة، التي يرتئيها صاحبها ناجعة صالحة؛ وحسب ما رضيت
به نفسي وثبتت قناعتي، وقبلها عقلي، وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو
مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة
راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال
سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن ريته" رواه البخاري.

وسبب رضاي وقناعتي وقبول عقلي لها أنها نظرة شمولية، فقد ركزت السنة
النبوية على الرعاية الكاملة والرعاية مسؤولية خطيرة، يحاسب عليها من وليت
له ويتحمل تبعة عدم النصح والإخلاص في القيام بها بدليل قول الرسول عليه
الصلاة والسلام "ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد
رائحة الجنة" رواه البخاري.

والمقصد الأساسي من التربية، مكارم الأخلاق، فقد روي عن مالك "مكارم
الأخلاق من أعمال الجنة"، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعثت
لأتمم حسن الأخلاق" حسب رواية مالك و"بعثت لأتمم صالح الأخلاق" حسب رواية
أبي هريرة. وفي حديث آخر عن عائشة قال صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى
لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا" وعندما سئلت عائشة عن
مصدر خلق الرسول عليه الصلاة والسلام قالت حسب ما ورد في مسلم واحمد "كان
خلقه القرآن". والقرآن أكد في وصف خلق الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله
"وإنك لعلى خلق عظيم" "القلم 4".

فالغرض الأساسي من التربية يتلخص في ثلاثة أشياء: 1- كسب العلم النافع؛ 2-
كسب الأخلاق الصالحة والحسنة، أي مكارمها؛ 3- كسب الرزق الحلال بالإخلاص في
العمل.

فما هو الأسلوب التربوي السليم والنافع الذي يستحسن اتباعه؟ لقد استخرجت
عديد الملاحظات المجدية الموصلة إلى تكوين الشخصية المتكاملة وهاهي أربع
عشرة فائدة اعتمدها القرآن والسنة النبوية:

1- النصح والإرشاد: قال الله تعالى "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني
لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" "لقمان 13" وفي الحديث "الدين النصيحة".

2- التذكير: قال الله تعالى "فذكر إن نفعت الذكرى سيتذكر من يخشى" "الأعلى
9-10". وقد بعث الرسول مذكرا، قال تعالى "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم
بمصيطر" "الغاشية 21-22" وقال سبحانه "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"
"الذاريات 55" فتزيح عن عقولهم ما يحجبها عن رؤية الحق.

3- القدرة: قال الله تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" "الأحزاب 21" وقد مدحه الله بقوله
"وإنك لعلى خلق عظيم" "القلم 4".

4- الحوار: قال الله تعالى "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتي هي أحسن" "النحل 125" قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
"خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتدرون ان يكذب الله ورسوله" وبأسلوب لين.

5- الاستجواب: ففي القرآن مثلا "أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف
تحكمون، أم لكم كتاب فيه تدرسون، إنّ لكم فيه لما تخيرون" "القلم 35-38"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي
مثل المسلم، حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها
النخلة. فقال عبد الله فاستحييت، فقالوا "يا رسول الله أخبرنا بها" فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة"

6- التفكير المنطقي: أي اعتماد البرهان العقلي والاقناع المنطقي مثل ذلك ما
رواه أبو داود عن الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة عن أناس من أهل
حمص من أصحاب معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن
يبعث معاذا إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟" قال "أقضي بكتاب
الله" قال "فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال "فبسنة رسول الله" قال "فإن لم
تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله" قال "أجتهد
برأيي ولا ألو" فضرب رسول الله صدره فقال "الحمد لله الذي وفق رسول رسول
الله لما يرضي رسول الله" إنه درس تربوي رائع باستبشار الرسول عليه الصلاة
والسلام.

7- الايضاح: قال الله تعالى "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها
مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة
زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور
يهدي الله لنوره من يشاء" "النور35" للتقريب لأذهان الناس وتصوراتهم
المحدودة شبه الله نوره بنور مصباح في زجاجة موضوعة في كوة أو طاقة غير
نافذة من الخلف لينبعث النور في اتجاه معين فكأن زجاج المصباح كوكب عظيم في
إضاءته وصفائه والزيت مستخرج من زيت الزيتون، زيتها من صفائه وبريقه يضيء
بنفسه قبل اضاءته ومس النار له وبالنار يزداد ضوءا على ضوء، ومثل ذلك قلب
المؤمن يعمل بالهدي الالهي قبل أن يأتيه العلم وبالعلم يزداد نورا على نور.
وقد خلق الله العقل نورا هاديا. ولهذا تتضح الرؤية للحق بالنظر والعقل
واعمال الفكر.

8- ضرب الأمثال: قال تعالى "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا
العالمون" "العنكبوت43" مثال ذلك قول الله عز وجل "ألم تر كيف ضرب الله
مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين
بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة
خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" "ابراهيم24-26".

9- الربط بين التوجيه والمواقف: قال الله تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في
الأمر" "آل عمران159" وفي حديث نبوي: قال رجل "يا رسول الله إني لأتأخر عن
الصلاة في الفجر مما يطيل نبا فلان فيها" فغضب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال "يا أيها الناس
إن منكم منفرين فمن أم الناس فيتجوّز فإن خلفه الضعيف والكبير وذا
الحاجة"..

10- الممارسة العملية: القيام بالعبادات والفرائض هي تربية وكذلك أعمال
الخير قال الله تعالى "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها"
"الإسراء7" وقال عز وجل "وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"
"البقرة83" وقال تعالى "وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض
إن الله لا يحب المفسدين" "القصص77".

11- القصص: قال الله تعالى "نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا
القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين" "يوسف3" والمقصود القصص النافعة
الصالحة للتربية السليمة.

12- الحكمة: قال الله تعالى "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي
خيرا كثيرا" "البقرة269" ومن الحكم قوله تعالى "إن بعض الظن إثم"
"الحجرات12" وفي القرآن والسنة النبوية حكم عديدة.

13- الترغيب والترهيب: السير حسب طبيعة النفس، قال تعالى "من جاء بالحسنة
فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون"
"الأنعام160" وقال سبحانه "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين
آمنوا وعملوا الصالحات" "الجاثية21" وأكد سبحانه "إن الحسنات يذهبن
السيئات" "هود114".

14- التربية البناءة بالتوبة والغفران: إنها التربية المتسامحة تأخذ بأسباب
الرحمة لا الانتقام، قال تعالى "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما
فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم" "آل عمران135-136" إذن كما
أمر تعالى "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" "نوح10"، ولهذا "ألم يعلموا أن
الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم"
"التوبة104".

إذن التربية الكاملة هي التي تكوّن انسانا صالحا لأداء عمله بدقة وأمانة
ومهارة وخلق رفيعة وهي أشمل من التعليم، فهي تنمية روحية وعقلية وخلقية
واجتماعية ووجدانية وجمالية وبدنية.

» امتحان السودان 2011 فى التربية التربية الدينية الاسلامية للمرحلة الثانية " الصف الثالث الثانوى "
» امتحان السودان 2011 فى التربية التربية الدينية الاسلامية للمرحلة الثانية " الصف الثالث الثانوى "
» أبي الإسلام
» نواقض الإسلام
» حمل هم الإسلام و كيفية خدمة هذا الدين.doc

مقاصد التربية في الإسلام وأسلوبها

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة