فلما
عصى آدم ربه و غوى...أنزله الله الى الأرض منبوذا. و لم يكن له ما يستر به
من جسده الا بعض اوراق من الشجر ، و لم يكن له من الزاد الا الندامة التي
كانت تعتصر قلبه و تنهش ضميره.
ولما وطئت قدماه الأرض سخرت الوحوش من ضعفه ، و هزئت القوى الطبيعية من
عريه و فقره ، فأحس أدم بالجوع و البرد و الخوف ، ففر هاربا و أوى الى غار
مظلم.
لقد بدأ هناك يفكر في فقره و وحدته ، في بيئته كل من فيها يعاديه ، و هو لا يعرف من أسرارها شيئا.
نظر الى السماء فرأى الطير يكتسحها ، و نظر الى البحر فرأى السمك يرتع فيه و
يلعب ، و تطلع الى الأرض فاذا بالوحوش تصول و تجول في الغاب .
فغبط آدم هذه الحيوانات كلها ، لما أوتيت من مأكل و مأوى ، ولما أمنت من خوف ، و ازداد في قلبه الندم ، حتى ملك عليه نفسه.
هنالك رفع يده الى السماء يتضرع ، فأستجابت له السماء قائلة (( اذهب أيها
الرجل ، فاني أعطيتك عقلا و يدا ، و أعطيتك ترابا و زمانا )).
اذهب فان لك الحياة أن تفعل ما يفعل الطير ، فتحلق في الفضاء ، و أن تغوص في اليم مثل الحوت فتعبر المسافات الطويلة في البحار .
حينئذ ارتدت الى آدم نفسه ، و تفتحت مغاليق الحياة أمام عينيه .و اذا
بشمسها تسطع على غاره المظلم ، و تضيئ له السبل الى مستقبله الساطع الخلاب.

***************:
المصدر : مالك بن نبي

مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور