زعموا
أن لبؤة كانت في غيضة ( أجمة أي مكان كثير الأشجار ) و لها شبلان ، و
أنها خرجت في طلب الصيد و خلفتهما في كهفهما ، فمر بهما اسوار ( قائد الفرس
) فحمل عليهما و رماهما فقتلهما ، و سلخ جلديهما فا حتقبهما ، و انصرف
بهما الى منزله ، ثم انها رجعت فلما رأت ما حل بهما من الأمر الفضيع اضطربت
ظهرا لبطن ، و صاحت و ضجت ، و كان الى جنبها شغبر ، فلما سمع ذلك من
صياحها قال لها : (( ما هذا الذي تصنعين ؟ وما نزل بك ؟ فأخبريني به ))
قالت له اللبؤة : (( شبلاي مر بهما اسوار فقتلهما و سلخ جلديهما فاحتقبهما ،
و نبذهما بالعراء )) قال الشغبر : (( لا تضجعي و أنصفي من نفسك ، و أعلمي
أن هذا الاسوار لم يأت اليك شيئا الا و كنت تفعلين بغيرك مثله ، وتأتين
الى غير واحد مثل ذلك ، ممن كان يجد بحميمه ، ومن يعز عليه مثل ما تجدين
بشبليك ، فاصبري على فعل غيرك كما صبر غيرك على فعلك ، فانه قد قيل : كما
تدين تدان . و لكل عمل ثمرة من الثواب و العقاب ، و هما على قدره في الكثرة
و القلة ، كالزرع اذا حضر الحصاد أعطى على حسب بذره ))
قالت اللبؤة : (( بين لي ما تقول ، و أفصح لي عن اشارته )) قال الشغبر : ((
كن اتى لك من العمر ؟)) قالت اللبؤة : (( مائة سنة )) قال الشغبر : (( ما
كان قوتك ؟ )) قالت اللبؤة : ((لحم الوحش )) قال الشغبر
(
من كان يطعمك اياه ؟ )) قالت اللبؤة : (( كنت أصيد الوحوش و آكله )) قال
الشغبر : (( أرأيت الوحوش التي كنت تأكلين ؟ أما كان لها أباء و أمهات ؟))
قالت : ((بلى )). فال الشغبر : (( فما بالي لا أرى و لا أسمع لتلك الأباء و
الأمهات من الجزع و الضجيج ما أرى و أسمع لك ؟ أما انه لم ينزل بكما نزل
الا لسوء نظرك في العواقب ، وقلة تفكرك فيها ، و جهالتك بما يرجع عليك من
ضرها )) فلما سمعت اللبؤة ذلك من كلام الشغبر عرفت أن ذلك مما جنت على
نفسها،و أن عملها كان جورا و ظلما ، فتركت الصيد و انصرفت عن أكل اللحم الى
الثمار و النسك و العبادة . فلما رأى ذلك الورشان ( طائر يشبه الحمامة )و
كان عيشه من الثمار قال لها : (( قد كنت أظن أن الشجر عامنا هذا لم تحمل ،
قلة الماء ، فلما أبصرتك تأكلينها - و أنت آكلة اللحوم فتركت رزقك و طعامك
و ما قسم الله لك ، و تحولت الى رزق غيرك فا نتقصته و دخلت عليه فيه .علمت
أن الشجر العام أثمرت كما كانت تثمر قبل اليوم ، و انما قلة الثمر من جهتك
، فويل للثمار ، و ويل لمن عيشه منها !ما أسرع هلاكهم اذا دخل عليهم في
أرزاقهم و غلبهم عليها من ليس له فيها حظ ، و لم يكن معتادا لأكلها ! ))
فلما سمعت اللبؤة ذلك من كلام الورشان تركت أكل الثمار و أقبلت على أكل
الحشيش و العبادة .
*******************: كليلة و دمنة