ابن باديس وجهوده التربوية 4 Ezlb9t10
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Ezlb9t10





 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديدنا :
آخر المواضيع
date2014-05-25, 2:29 pm
member
date2014-05-25, 12:55 pm
member
date2014-03-19, 10:44 pm
member
date2014-03-03, 10:03 pm
member
date2013-11-09, 10:39 pm
member
date2013-10-04, 4:33 pm
member
date2013-09-30, 6:49 am
member
date2013-09-21, 9:34 pm
member
date2013-09-21, 9:29 pm
member
date2013-09-21, 9:28 pm
member

ابن باديس وجهوده التربوية 4

Admin
مؤسس المنتدى
Admin

السٌّمعَة : 0
ذكر
نقاط : 22423
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Empty
http://omaarab.7olm.org
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Clock13 2012-02-10, 6:25 pm

تــــابع

البـاب الثـاني
الفكر التربوي عند ابن باديس
الفصل الأول
دعائم الفكر التربوي عند ابن باديس
المبحث الأول : حالة التعليم في زمن ابن باديس
على الرغم من أن الشيخ عبد الحميد بن باديس اهتم بالتربية والتعليم اهتمامًا كبيرًا، إلا أنه لم يفرد هذا الموضوع بتأليف خاص، لكنّ المتصفح لآثاره المتناثرة في الصحافة الإصلاحية آنذاك، يخرج بصورة واضحة عن حالة التعليم في زمنه.
علم المستعمر أن استقراره واستتباب أمره، لن يتم مادام الإسلام حيًّا ينبض في قلوب الجزائريين وحياتهم، فناصبه العداء، وتعرّض لمن يعلِّمه بالمكروه والبلاء.
يصف لنا ابن باديس تلك الحالة بقوله: (مضت سنوات في غلق المكاتب القرآنية، ومكاتب التعليم الديني العربي، والضنّ بالرخص، واسترجاع بعضها حتى لم يبقوا منها إلا على أقل القليل).
وعلى الرغم مما تعرّض إليه معلّمو التعليم العربي من مضايقات مستمرة وتهديدات متواصلة، إلا أن كثيرًا منهم استبسلوا في سبيل القيام بواجبهم نحو دينهم ولغة دينهم. وكان على رأسهــم الشيــخ عبد الحميد ابن باديس، الذي ما ادّخر جهدًا في نشرهما، ومحاربة أعدائهما باللسان والقلم، من ذلك قوله: (فهمنا -والله- ما يُراد بنا، وإنّنا نعلن لخصوم الإسلام والعربيّة، أننا عَقَدْنَا على المقاومة المشروعة عَزْمَنَا، وسنمضي -بعون الله- في تعليم ديننا ولغتنا رغم كل ما يصيبنا، وإننا على يقين من أنّ العاقبة -وإن طال البلاء- لنا، وأن النصر سيكون حليفنا، لأننا قد عرفنا إيمانًا، وشاهدنا عيانًا، أن الإسلام والعربية قضى الله بخلودهما، ولو اجتمع الخصوم كلهم على محاربتهما).
ولا شك أن ذلك التضييق على تعليم الدين واللغة العربية، من قِبَل الاستعمار، كانت له آثار سلبية كبيرة على الشعب الجزائري بأكمله، حيث نشأت أجيال لم تتعلم من الإسلام إلا ما ورثته من الآباء والأجداد، مع ما أُدخل عليه من بِدع، وما أُهمل من أخلاقه وآدابه. غير أنّ ما وصلت إليه حالة التعليم الديني والعربي من انحطاط، لم تثن الدعاة ورجال الإصلاح عن مواصلة جهودهم في تربية وتعليم أبناء الأمة، فالشعب الجزائري فطره الله على الإسلام ولن يرضى به بديلاً، وأن ما أصابه -من غفلة وجهل- سوف يزول بعون الله أولاً، ثم بجهود الدعاة والمربين.
يشخّص لنا ابن باديس حالة الشعب وإمكانية علاجهـــا، فيقــول: (إن الذي يُبقي لنا في المسلمين الرجاءَ، ويفسح لنا الأمل، ويبعثنا على العمل، هو أن ما عليه أكثرنا ليس عن زهد في الإسلام، ولا عن قلة محبة فيه، وإنما هو عن جهلٍ طال عليه الأمد، وغفلةٍ توالت على الحقب.. وللجهل -بحمد الله- دواؤه الشافي وهو التعليم، وللغفلة علاجها النافع وهو التذكير).
وعلى أية حـال، فإن وضع التعليم الديني والعربي في زمن ابن باديس، كان يمثل صورة واضحة للصراع الحضاري بين الشعب الجزائري المسلم، الذي يريد أن يحيا للإسلام وبالإسلام، وبين الاستعمار الفرنسي الصليبي، الذي جثم على صدره عقودًا طويلة لتحويله عن دينه، إلا أن عناية الله ولطفه بهذا الشعب، جعلته يستيقظ على صيحات المصلحين، ويالها من يقظة مباركة، زلزلت الأرض تحت أقدام الصليبيين، فكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الثاني: أهمية العلم والتعلم عند ابن باديس
أدرك الإمام ابن باديس أهمية العلم والتعليم بالنسبة للمسلمين عامة، وللأمة الجزائرية التي حوربت في دينها ولغتها وشخصيتها خاصة، فوجّه جل اهتمامه لنشره، ذلك لأن العلم الصحيح المبني على العقيدة السليمة، هو وحده السبيل إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، فقد اعتنى -فيمـــا أُثر عنه- بتوضيــح معنــى' العلـم، وأنواعــه، وأهميتــــه، ووجوب طلبه، وطرق تحصيله، معتمدًا في ذلك على الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الصحيحة.
يقول تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )(آل عمران:18).
وسنعرض في هذا المبحث بعض آراء الشيخ ابن باديس حول العلم والتعلم من الجانب النظري، على أن نتطرق إلى الجوانب العملية في الفصلين القادمين.
العلـــم:
يعرّف ابن باديس العلم بأنه: (إدراكٌ جازم مطابق للواقع عن بيّنة، سواء كانت تلك البيّنة حسًا ومشاهدة، أو برهانًا عقليًا كدلالة الأثر على المؤثر، والصنعة على الصانع، فإذا لم تبلغ البينة بالإدراك رتبة الجزم فهو ظن، هذا هو الأصل.. ويطلق العلم أيضًا على ما يكاد يقارب الجزم، ويضعف فيه احتمال النقيض جدًا، كما قال تعالى عن إخوة يوسف عليه الســلام: (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين )(يوسف:81). فسمى القرآنُ إدراكهم لما شاهدوا: علمًا).
ويبسط هذا التعريف فيقــول: (إن العلــم هو إدراك أمـــر على وجـــهٍ لا يحتمل أن يكون ذلك الأمر على وجه من الوجوه سواه، وهو عام، ويليه الظن، وهو إدراك أمر على وجه هو أرجح الوجوه المحتملة، وهو معتبر عندما تتبين قوة رجحانه فيما لا يمكن فيه إلا ذاك، وهذه هي الحالة التي يطلق عليه فيها لفظ العلم مجازًا).
أهمية العلم عند ابن باديس:
إن شرف العلم وفضله لا يخفيان على عامة الناس، فضلاً عن العلماء، إذ هو الذي خصّ الله به الإنسانية دون سواها من الحيوانات، وبه أظهر الله تعالى فضل آدم عليه السلام على الملائكة، وأمرهم بالسجود له. وإنما شُرِّف العلم لكونه وسيلة إلى التقوى، التي يستأهل بها المرء الكرامة عند الله والسعادة الدائمة، ذلك لأن العلم مع الإيمان، رفعة في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
يقول الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )(المجادلة:11).. ويقــول تعـــالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء )(فاطر:28).
وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم: (مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهه في الدين ). فالعلم هو الطريق إلى خشية الله وعبادته، كما يحب أن يُعبد، (فهو الأصل الذي تنبني عليه سعادة الدنيا والأخرى، وأنه هو الأساس لكل أمر من أمور الدين والدنيا).
ويرى ابن باديس أن البشرية بدون علم، تعود إلى حيوانيتها، ذلك لأن (الإنسان خاصيته التفكير في أفق العلم الواسع الرحيب، فمن حَرَمَ إنسانًا -فردًا أو جماعة- من العلم، فقد حَرَمَهُ من خصوصيته الإنسانية، وحوّله إلى عيشة العجماوات، وذلك نوع من المسخ).
ويذهب ابن باديس إلى أن العلم هو حياة القلوب وإمام العمل، وإنما العمل تابع له، فهو وحده الإمام المتبع في الأقوال والأفعال والاعتقادات، فمن دخل في العمل بغير علم، لا يأمن على نفسه من الضلال، ولا على عبادته من الفساد والاختلال.
(فسلوك الإنسان في حياته، مرتبط بتفكيره ارتباطًا وثيقًا، يستقيم باستقامته، ويعوج باعوجاجه، ويثمر بإثماره، ويعقم بعقمه، لأن أفعاله ناشئة عن اعتقاداته، وأقواله إعراب عن تلك الاعتقادات، واعتقاداته ثمرة إدراكه الحاصل من تفكيره ونظره).
ولا يتأتى ذلك العلم والنظر إلا بالتعلّم وبذل الجهد في ذلك، يقول تعالى: (الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان )(الرحمــــن:1-4). ويقــــول تـعـــــالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم* علم الإنسان مالم يعلم )(العلق:1-5).
ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إنما بُعثتُ مُعَلِّمًا ).. فالتعلم هو الطريق الصحيـــح لاكتســاب العلــوم والمعـــارف: (فاسألوا أهــل الذكــر إن كنتم لا تعلمون )(الأنبياء:7).. ويكفي العلم شرفًا أن العلماء ورثة الأنبياء، وفي هذا يقول ابن باديس: (لا حياة إلا بالعلم، وإنما العلم بالتعلم، فلن يكون عالمًا إلا مَن كان متعلمًا، كما لن يَصْلُحَ معلمًا إلا مَن قد كان متعلمًا، ومحمد صلى الله عليه و سلم الذي بعثه الله معلمًا، كان أيضًا متعلمًا، علّمه الله بلسان جبريل، فكان متعلمًا عن جبريل عن ربِّ العالمين، ثم كان معلمًا للناس أجمعين.
أرأيت أصل العلم، ومن معلموه ومتعلموه ؟ ثم أرأيتَ شرف رتبة العلم والتعليم؟ لا جرم كان لرتبة التعلم آدابها، ولرتبة التعليم آدابها، وكان محمد صلى الله عليه و سلم أكملَ الخلق في آدابهما، بما أدبّه الله وأنزل عليه من الآيات فيهما).
وللإمام ابن باديس في طلب العلم وآدابه، ومسؤولية العلماء في نشره، مواقف سنعرض لها في المبحث القادم إن شاء الله.
المبحث الثالث : طلب العلم في نظر ابن باديس
يبدو موضوع العلم وطلبه، من أبرز الموضوعات التي استحوذت على اهتمام الشيخ ابن باديس، وإذا أمعنّا النظر في الجوانب الرئيسة التي عالج بها هذا الموضوع، نراه يهيب بالمتعلم أن يهتمّ بتصحيح نيته، والاجتهاد في طلب العلم، مبينًا مكانة أهله في المجتمع، والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم.
وسنحاول في هذا المبحث إن شاء الله أن نكشف عن تلك الجوانب وغيرها، لنعرف مدى ما أسهم به ابن باديس في هذا المضمار.
النيـة:
إن العلم هو نبراس المسلم في ظلمة الجهل، وسبيله لتوحيد خالقه وحسن عبادته.. وإن طلبه من أشرف أنواع العبادات وأجلّها، يقول الله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك )(محمد:19).
ويقول تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )(آل عمران:18).
وكما هو الشأن في جميع العبادات، فإنه ينبغي على طالب العلم أن تلازمه النية الحسنة والإخلاص لله تعالى في تعلّمه.
ويرشد ابنُ باديس المتعلِّمَ، أن ينوي بطلب العلم مرضاة الله تعالى والدار الآخرة، وإزالة الجهل عن نفسه وعن غيره، وخدمة الدين، متجاوزًا بذلك الأغراض الزائلة، فلا يرتبط هذا الجهد برُتَب أو مغانم قريبة. ويرى أن من أسباب نجاح طلبة العلـم في تحصيلهــم وتفقههــم أن (لا يقصــدوا إلا أن يتعلموا فيعلموا، ويتفقهوا فيفقهوا، ولا يرجوا من ذلك إلا رضا الله ونفع عباده).
وقد تنحصــر نوايــا بعض المتعلمين في تحصيــل العلــم فقط، وهــذه بلا شك نية فاضلة، ولكن إذا جمع الطالب بين نيّة التحصيل ونية التقرّب إلى الله عز وجل، كان ذلك أكمل وأتم.
وأما من جعل ذلك وسيلة لإقبال الناس إليه، أو استجلاب بعضًا من حُطام الدنيا، فحسبه ما نوى، إذ النيـــة هي الأصــل في جميع الأحــــوال لقوله صلى الله عليه و سلم: (إنما الأعمال بالنيات ).
يقول ابن باديس في شرحه لهذا الحديث: (أفاد التركيب، حصر اعتبار الأعمال في نياتها، والمقصود بها، لا في صورها وظواهرها).
فكم من عمل ظاهره من أعمال الآخرة، ثم يصير من أعمال الدنيا بسوء النية، ذلك أن (أعمال الناس قد تشترك في صورها ومظاهرها، حتى لا يكون في ذلك فرق بينها، ولكنها بذلك التساوي الصوري الظاهري لا تكون متساوية في الاعتبار والحقيقة، وما يتبعهما من القبول والرد في نظر الشرع).
ومن قبل قال الشاعر:
مَن طلبَ العلمَ للمــعاد فــازَ بفضــلٍ من الرشـــاد
فبالخســـرانَ طالبِـــهِ لنيلِ فضلٍ من العبــــاد
وكما أنه ينبغي على الطالب تصحيح أعماله الظاهرة، وحصرها في طاعة الله تعالى، كذلك ينبغي عليه تصحيح ما بطن منها.
ويوضح ابن باديس ذلك فيقول: (كما علينا أن نجتهد في تطهير أعمالنا من المخالفات، وقصرها على الطاعات والمباحات، كذلك علينا أن نجتهد في طاعاتنا أن تكون خالصة لوجه الله، وأن نبعد عنّا كل خاطر يلفتنا إلى غيره، حتى يسلم لنا القصد كله خالصًا، والعمل كاملاً).
الاستمرار في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله :
عانى قطاع التعليم في زمن ابن باديس من عوائق كثيرة، نذكر منها:
أولاً: نفور أغلب الشعب من تدريس أبنائهم اللغة الفرنسية، باعتبار أنها لغة العدو الكافر الذي اغتصب وطنه، الشيء الذي أوجد فراغًا كبيرًا لدى الأهالي في كثير من التخصصات العلمية، التي لا تدرس إلا باللغة الفرنسية.
ثانيًا: الطرق الصوفية المنحرفة، التي سعت جاهدة لإيقاف المد الإصلاحي.
وثمة آفة أخرى أصابت التعليم في الجزائر، هي أن العلوم كان منها ما يؤخذ باللسـان العربي، وهــي العلوم الشرعيـة والآليـة، ومنهـا ما يؤخذ باللسان الأجنبي، وهي علوم الأكوان والعمران. (وقد كان الذين يزاولون العلوم الأولى على جمود تام، كما كان الذين يزاولون العلوم الثانية على تيه وضلال، فهؤلاء يعتبرون الآخرين أحجارًا... وأولئك يعتبرون هؤلاء كفارًا).. الأمر الذي جعل ابن باديس يتحسس مواضع الداء، ويبحث بجد عن أسبابه حتى نفذ إلى أعماق القضية، فعاب على كل من ينتقص علمًا من العلوم لم ينل منه حظًا، أو يزهد فيه لاعتبار من الاعتبارات، موجهًا نداءه إلى الجميع قائلاً: (احذر كل مُتَعَيْلِم يُزَهِّدك في علم من العلوم، فإن العلوم كلها أثمرتها العقول لخدمة الإنسانية، ودعا إليها القرآن الكريم بالآيات الصريحة)، وأنَّ العلم تراث الإنسانية، يستحقه على السواء جميع أفرادها المجتهدين.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
تَعَلَّمْ فليـسَ المــرءُ يُولــدُ عَالِمـًا وليسَ أخو عِلْمٍ كمَنْ هو جاهل
وإنَّ كبيـرَ القـومِ لا عِلْمَ عِنْـــدَه صغيرٌ إذا التفَّتْ عليـه الجحافــل
وإنَّ صغيرَ القومِ إذا كان عَالِمًا كبيــرٌ إذا رُدَّتْ إليــه المحــافــل
ويرى ابن باديس ضرورة الاستمرار في طلب العلم، والاجتهاد في تحصيله، وأنه مهما بلغ الإنسان من درجات في العلم، يبقى بحاجة إلى طلب المزيد، وفي هذا يقول: (يتعلم الإنسان حتى يصير عالمًا ويصير معلّمًا، ولكنه مهما حاز وتوسّع فيه وتكمّل به، فلن يزال بحاجة إلى العلم، ولن تزال أمامه فيما علمه وعلّمه أشياء مجهولة يحتاج إليها، فعليه أبدًا أن يتعلم وأن يطلب المزيد، ولذا أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم -وهو المعلم الأعظم- أن يطلب من الله عز وجل، وهو الذي علّمه ما لم يكن يعلم، أن يزيده علمًا، فقال: (وقل رب زدني علمًا )(طه:114).
ومن المعروف أن لتحصيل العلم طريقين: أحدهما أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها، والثاني أن يتلقى ذلك من معلم موثوق به علمًا وديانة، إلا أن الطريق الثاني أسلم وأسرع وأثبت للعلم.
فإذا جمع الطالب بين الطريقين، كان ذلك أكمل وأتمّ، لذلك يرشد ابن باديس طلبة العلم إلى السير على الطريقين فيقول: (فعلى الطلبة والمتولين أمر الطلبة أن يسيروا على خطة التحصيل الدرسي والتحصيل النفسي، ليقتصدوا في الوقت، ويتوسعوا في العلم، ويوسّعوا نطاق التفكير).
هكذا عمل ابن باديس جاهدًا لتجاوز تلك العقبات، وتشجيع الجميع على طلب العلم ومحاربة الجهل، وذلك أقصر السبل لإنقاذ الأمة من وهدة الاستعمار والتخلف.
أنواع العلوم عند ابن باديس:
يرى ابن باديس أن العلم منه فرض عين ومنه فرض كفاية، ولابدّ للمسلم من معرفة ما هو فرض عين عليه، إذ (الإسلام دين له عقائد وأخلاق وأحكام، وأن على المسلم أن يعرف من ذلك ما لا يكون المسلم مسلمًا إلا به، وأن عليه أن يقوم بذلك في أهله وبنيه وبناته، ومَن في رعايته وكفالته).
والسؤال الذي يدور حوله المطلب هو:
ما هي العلوم التي إذا عرفها البعض سقطت معرفتها عن الآخرين، والأخرى التي تجب على المسلم في خاصة نفسه؟
يوضح ابن باديس ذلك فيقول: (إن طلب العلم على وجهين:
أحدهما: الاشتغال بتحصيل مسائله، والانقطاع إلى تعلم قواعده، وهذا هو الواجب كفاية)، مثال ذلك مــا روي (عــن زيـد بن ثابت رضي الله عنه، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أتعلم له كتاب يهود، قال: (إني والله ما آمن يهود على كتاب). قال: فما مرَّ بي نصف شهر حتى تعلمته.. قال: فلما تعلمته، كان إذا كَتَبَ إلى يهود كتبتُ إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له كتابَهم).
ويتضح لنا من ذلك أن تعلّم لغة اليهود، لم يكن فرضًا على كل المسلمين، بل هو من فروض الكفاية، التي إذا عرفها البعض سقطت عن الآخرين.
وثانيهما: (السؤال عن حكم ما نزل به من أمر دينه، واستفتاء أهل العلم فيه: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) الآية، وهذا واجب عينًا.. فإذا احتاج الإنسان إلى شيء من العلم، كان تعلمه فرض عين عليه، فمثلاً: إذا أراد أن يتوضأ، يجب عليه عينًا أن يتعلم كيف يتوضأ، وإذا أراد أن يصلي وجب عليه عينًا أن يتعلم كيف يصلي، وهكذا.
ويخلص ابن باديس إلى القول: (فاحفظ هذا الضابط واعتبر به مسائل دينك، يسهل عليك الفرق بين ما هو واجب على عموم المسلمين، يسقط بوجود عَالِم بينهم، وما هو واجب عليك في خاصة نفسك، لا تبرأ ذمتك إلا بمعرفته)(1).
واجب العلمـاء:
لقد مدح الله العلماء العاملين في أكثر من آيــة فقــال عــز وجـل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور )(فاطر:28). (أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم، الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتمّ والمعرفة به أكمل، كانت الخشية له أعم وأكثر).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية).
وقال مالك رحمه الله: (إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب).
فالعلماء من الأمة كالقلب من الجسد، إذا صلح صلح سائر الجسد.. وقد أثبتَ التاريخُ، أنه لا مجد لهذه الأمة ولا صلاح لها إلا إذا صلح علماؤها، ولا صلاح لعلمائها إلا إذا كانوا ربانيين في هدفهم وسلوكهم وتفكيرهم، صادقين فيما يدعون إليه، فإذا كانت تلك صفاتهم كانوا بحق مصدر هداية لأمتهم.
وفي هذا يقول ابن باديس: (إن أهل العلم في كل قطر، هم مصدر الهداية والإرشاد، ومبعث التثقيف والتهذيب، وكل واحد في ناحيته هو نبراسها في ظلمة الجهل، ومرجعها في مشكلات الأمور).
ويبيّن ابن باديس فضل العلماء وعلو مكانتهم، وعظيم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فيقول: (العلماء ورثة الأنبياء، وما وَرَّثَ الأنبياءُ دينارًا ولا دِرهمًا، وإنما وَرَّثُوا العلم، والعلم مستمد من الرسالة، فعلى أهله واجب التبليغ والنذارة، والصبر على ما في طريق ذلك من الأذى والبلاء، والعطف على الخلق والرحمة).
ويرى ابن باديس أن العلم مصدر لمزيد من المسؤولية عن المجتمع يتحملها العالم، وليس العلم مصدر امتياز في التمتع والمنافع والاستئثار، يُدلُّ به العالِم على سواه، فكلما ازداد الإنسان علمًا ازداد تحملاً للمسؤولية، لازدياد إدراكه لمدى واجباته. (وأن العلم أمانة عند العلماء، وهم مكلفون بأدائه لمستحقيه، وليس العلم ملكًا لهم يستغلونه، فيكتمونه إذا رأوا الكتمان أوفق بمصالحهم الشخصيـــة، وينشــرون منـــه ما لا يصادم أهواء العامة، بل يزيدهم جاهًا لديهم، ولا أبخس صفقة ممن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة).
يقول تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاّعنون )(البقرة:159).
فكما أنه يجب على المتعلم التعلم، كذلك يجب على العالِم التعليم، فيا فوزَ مَنْ زادَهُ عِلْمُهُ خشيةً، ومِن اللهِ قُرْبًا.
والحقيقة أن تاريخ الأمة الطويل يشهد على الارتباط الوثيق بين صلاح العلماء وازدهار الأمة، فكلما قام العلماء بواجبهم تجاه الأمة، صلحت أمورها وازدهرت، فكلما قعدوا عن ذلك تدهورت وانحطت. وفي هذا يقول ابن باديس: (وإنّا إذا راجعنا تاريخَ المسلمين، في سعادتهم وشقائهم وارتفاعهم وانحطاطهم، وجدنا ذلك يرتبط ارتباطًا متينًا بقيام العلماء بواجبهم، أو قعودهم عمّا فرض الله وأخذ به الميثاق عليهم).
يقـــول تعــــالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )(النحل:44). ويقول تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه )(آل عمران:187).
فابن باديس يذكّر العلماء بالميثاق الذي أخذه الله عليهم، من وجوب تبيين الحق للناس، فيقول: (ولهذا فنحن ندعو العلماء كلهم إلى أن يذكروا هذا الميثاق، وأن لا ينبذوه وراء ظهورهم، وأن يبادر كل ساكت وقاعد إلى التوبة والإصلاح والبيان).
المبحث الرابع : سمات ابن باديس الشخصية
وأثرهــا علــى مـنهـجــه التــربــوي
كان ابن باديس مدرسة أخلاقية بسلوكه وتصرفاته ومعاملاته، وكانت أقواله ونظرياته صورة صادقة لواقع حياته، وعصارة خالصة لأعماله ومعتقداته.
كان رحمه الله نموذجًا صادقًا وصورة حية لتلك المبادئ التي طالما نادى بضرورة العودة إليها، من أجل إنقاذ شعبه وإسعاده.. وكان أسوة في التواضع والتسامح ونكران الذات، وكذلك كان في الصرامة والشجاعة والثبات.
تأثر الشيخ ابن باديس كثيرًا بأخلاق شيوخه الذين تلقى عنهم العلم، خاصة أستاذه الأول الشيخ (حمدان الونيسي)، الذي طبع حياته بطابع روحي وأخلاقي لم يفارقه أبدًا، فكان لذلك تأثير كبير على منهاجه التعليمي والتربوي.
وسوف أتبع في هذا العرض أسلوب التدليل بالوقائع والأحداث على ما تميّز به الشيخ ابن باديس من سمات شخصية، وأثر ذلك على دعوته ومنهجه التربوي.
1 ـ التواضع والتقشف :
اشتهر رحمه الله بالزهد والانصراف عن متاع الدنيا. ورغم أن عائلته كانت من سراة قومه، ووالده كان من أعيان مدينته، إلا أنه في شخصه كان متقشفًا، مخشوشنًا، متواضعًا تواضع العلماء العارفين، فكان بذلك أكثر قُربًا من العامة لا من الخاصة. وصدق الشاعر حين قال:
إنَّ التواضعَ مِن خصالِ المتّقي وبه التَّقيُّ إلى المعالي يرتقي
يُروى أنه خرج من مقصورته بجامع (سيدي قموش) بقسنطينة ذات يوم، فطلب من أحد أصدقائه أن يبحث له عمن يشتري له نصف لتر من اللبن، وأعطاه آنية، فرآها ذلك الصديق فرصة لإكرام الشيخ، فذهب بنفسه إلى الشوّاء واشترى له صحنًا من اللحم المختار، وعاد إلى الشيخ وهو يكاد يطير من شدة الفرح، ولـمّا قدمها إليه استشاط غضبًا، وقال لـــه في لهجــــة شديـــدة صـــارمــة: (ألا تعلــم أنّني ابـن مصطفــى ابن باديس، وأن أنواعًا مختلفة من الطعام اللذيذ تُعدّ كل يوم في بيته، لو أردتُ التمتع بالطعام، ولكن ضميري لا يسمح لي بذلك، وطَلَبَتي يسيغون الخبز بالزيت، وقد يأكله بعضهم بالماء).
هذا نموذج واحد من موقف الشيخ ابن باديس سردناه للتدليل على ما ذكرنا من التواضع والتقشف في حياته، ويمكن أن نستخلص من ذلك ما يلي:
أ ـ أن الشيخ ابن باديس كان عالمًا ربانيًا، عازفًا عن الدنيا وملذاتها، متواضعًا لله تواضع العلماء العارفين.
ب ـ أن المهمــة التي انتصب إليهــا، وهي تربيــة الجيل وتعليمــه، قـد غلبت على نفسه، وهيمنت على قلبه فتفرغ لها تفرغًا زهّده في الملذات التي يطلبها الناس، والمتع التي يفرط في السعي وراءها الكبار والصغار.
2 ـ الحلم والتسامح:
وهو من أبرز صفات الأنبياء والرسل، وقد أوذي رسول الله صلى الله عليه و سلم، فكان يقول: (رَبِّ اغفرْ لقومي فإنهم لا يعلمون )(رواه مسلم)، كذلك سار علماء السلف والخلف على هذا الهدي في الحِلْم والتسامح، فكانوا خيرَ مَن حمل إلينا هذه الأخلاق العالية والصفات السامية. عن عطاء بن يسار قال: (ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حِلْم إلى عِلْم).
وللإمام ابن باديس رحمه الله سجل حافل، وتاريخ زاخر، بهذه المعاني الإسلامية السامية.
فقد توافرت في شخص الإمام صفات العالِم العامِل، الذي يخاطب عقول المسلمين وقلوبهم، صائغًا إليهم هذا الدين في أحسن صورة، لذلك كان موضع سخط السلطات الاستعمارية وأعوانها.
يُروى أن إحدى الجماعات الصوفية المنحرفة التي ضاقت ذرعًا بمواقف ابن باديس، أوعزت -بتنسيق مع سلطات الاحتلال- إلى نفرٍ من أتباعها باغتيال الشيخ عبد الحميد، ظنًّا منها أن في اغتياله قضاء على دعوته، غير أن الغادر الذي همّ بهذه الجريمة لم يفلح في تنفيذها، ووقع في قبضة أعوان الشيخ، وكانوا قادرين على الفتك به، إلا أن أخلاق الإمام العالية جعلته يعفُّ ويعفو، وينهى أصحابه عن الفتك به، متمثلاً قول النبي صلى الله عليه و سلم: (رَبِّ اغفرْ لقومي فإنهم لا يعلمون ).
فرحم اللهُ الشيخ ابن باديس، ما أحلَمَهُ مِن داعٍ ومربٍّ، عاش لدعوته، فملكت عليه نفسه، حتى أصبح محل إعجاب العدو قبل الصديق!!
3 ـ الشجاعة والصرامة في الحق:
لئن كان الشيخ ابن باديس في كثير من مواقفه ليّنًا من غير ضعف، فهو في الحـــق صــارم.. وحين تخـــور العزائـــم، فهــو شجــاع شجاعــة مَن لا يخاف في الله لومة لائم، ولا غطرسة ظالم متجبّر.
تجسّدت هذه الخصال في مواقفه العديدة مع سلطات الاحتلال، ومن ذلك موقفه مع وزير الحربية الفرنسي (دلادييه)، أثناء ذهاب وفد المؤتمر الإسلامي إلى باريس في 18 يوليو 1936م، حيث هدّد الوزيرُ الفرنسيُّ الوفدَ الجزائريَّ وذكّرهم بقوة فرنسا، وبمدافعها بعيدة المدى قائلاً: (إن لدى فرنسا مدافع طويلة)، فردّ عليه ابن باديس: (إن لدينا مدافــــع أطـــول)، فتســـاءل (دلادييه) عـن أمـــر هــــذه المدافـــع؟ فأجـــابـــه ابن باديس: (إنها مدافع الله).
فقد كان رحمه الله جريئًا في غير تهوّر، شجاعًا في غير حمق، يطرح مواقفه، ويعرض قضايا الأمة ومشكلاتها، وكلّه استعداد للبذل والتضحية، غير مبالٍ بصولة المستعمر وظلمه، متمثلاً قول الرسول صلى الله عليه و سلم: (إنَّ من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ).
4 ـ الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق متى تبيّن:
التواضع خلق متأصل عند ابن باديس، فكما أنه عُرف بتواضعه في حياته الاجتماعية، فهو كذلك في حياته العلمية، ويتجلى ذلك بوضوح في منهجه التربوي والتعليمي الذي سلكه طوال حياته.
ولم يكن ذلك حرصًا على مدح مادح، أو تجنّبًا لقدح قادح، بل كان ابتغاء رضوان الله تعالى، وذلك هو درب الصالحين، إذ لا يعيب الداعية والمعلم على الخصوص أن يقول قولاً ثم يرجع عنه إلى غيره، متى بدا له وجه الصواب فيه، فالحق دون غيره هو مطلبه وبغيته.
سُئل رحمه الله مرة عن مسألة فقهية، فأفتى فيها بغير المشهور، ولمّا تبيّن له الصواب رجع إليه، ونبّه على ذلك الخطأ وأورد الصواب في مجلة (الشهاب)، وقد كان يكفيه أن يوضّح تلك المسألة للسائل فحسب، وعلّل صنيعه ذلك قائلاً: (أردتُ أن تكون لكم درسًا في الرجوع إلى الحق)، وأضاف موضحًا: (تركتُ لكم مَثَلاً أنه إذا كان الإنسان عالِمًا، يجب عليه أن يعيش للعلم)، وصدق الله القائل: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )(الزمر:9).. وابن باديس في هذه الوقفات الصادقة، وهذا الوضوح في المنهج، ينطلق من قناعته العميقة بأهمية القدوة الحسنة في حياة الدعاة، وهو ما يجعل الناس يشعرون بصدق الداعي، ومن ثمّة يتقبّلون دعوته، ويكونون من جنوده وأنصاره.
حسن استغلاله للوقت:
ومما تميّز به ابن باديس رحمه الله، حسن استغلاله للوقت، فهو منظّم في عمله، دقيق في توزيع وقته على المهام العديدة التي يقوم بها.
كان مدركًا لقيمة الوقت، وضرورة استغلاله، والاستفادة من لحظاته، وتظهـــر نظرته هـــذه واضحـــــة فـــي سيـاق تفسيــــره لقــــول الله تعـــالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهود اً)(الإسراء:78)، فيقول: (في ربط الصلاة بالأوقات، تعليم لنا لنربط أمورنا بالأوقات، ونجعل لكل عمل وقته، وبذلك ينضبط للإنسان أمر حياته، وتطرد أعماله، ويسهل عليه القيام بالكثير منها. أما إذا ترك أعماله مهملة غير مرتبطة بوقت، فإنه لابد أن يضطرب عليه أمره، ويشوّش باله ولا يأتي إلا بالعمل القليل، ويحرم لذّة العمل، وإذا حُرم لذة العمل أصابه الكسل والضجــر، فقلّ سعيــه وما كان يأتي به من عمل على قلته وتشوشه، بعيدًا عن أي إتقان).
وليس عجيبًا أن يهتم مصلح مثل ابن باديس بالوقت هذا الاهتمام الكبير، وهو الذي يقول عند تعليقه على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ ): (عمر الإنسان أنفسُ كَنزٍ يملكه، ولحظاته محسوبة عليه، وكل لحظة تمرّ معمورة بعمل مفيد، فقد أخذ حظّه منها وربحها، وكل لحظة تمر فارغة فقد غبن حظه منها وخسرها، فالرشيد هو مَن أحسن استعمال ذلك الكنز الثمين، فعمّر وقته بالأعمال.. والسفيه مَن أساء التصرف فيه فأخلى وقته من العمل).
بهذه النظرة الصائبة للوقت، نجح ابن باديس في استغلاله أحسن استغلال، فكان يلقي من الدروس في اليوم الواحد ما يعجز عنه غيره. يبدأ دروسه بعد صلاة الفجر، ويظل طيلة نهاره يُعَلِّم طَلَبَته الدين وعلوم العربية، ولا يقطع دروسه إلا لصلاة الظهر ولتناول الغداء، ثم يستمر إلى ما بعد صلاة العشاء. وكان رحمه الله مع أخـذه بكل ما يستطيع من الأسباب في تأدية رسالته، يلتجئ إلى الله بثقة لا توهب إلا لأولي العزم من الرجال.. ففي إحدى ساعات الشدة والعسرة قال لأحد طلبته: (يا بُنَيّ إن جميع الأبواب يمكن أن تُغلق أمامنا، ولكن بابًا واحدًا لن يُغلق أبدًا، هو باب السماء).
هذه العقيدة الراسخة القوية، كانت دافعًا له على الثبات والمثابرة، وبهذه العزيمة القوية جاب ابن باديس أرجاء القطر الجزائري على اتساعها، وأنشأ فيها المدارس والنوادي، لتعليم أبناء الأمة لغتهم ودينهم، مدركًا بأن العلم أمانة عند العلماء، وهم مكلفون بأدائها لمستحقيها.
فكان حقًا حارسًا من حراس العقيدة، مدافعًا عن الإسلام ولغة الإسلام، ثابتًا ثبات الجبال الرواسي، ماض في دعوته لا يُثنيه عن ذلك شيء. يؤكد هذا العزم لإخوانه بقوله: (إني أعاهدكم على أنني أقضي بياضي على العربية والإسلام، كما قضيتُ سوادي عليهما، وإنها لواجبات... وإنني سأقضي حياتي على الإسلام والقرآن ولغة الإسلام والقرآن، وهذا عهدي لكم).
لم يكن الهدف من سَـرد هذه السمات، تتبـع مناقب الإمام ابن باديس، وإنها لجديرة بذلك، إنما أردنا توضيح السر في نجاح هذا المربي في مهمته النبيلة. والواقع أن سمات ابن باديس الشخصية كانت إحدى عوامل نجاحه في جمع كلمة الشعب الجزائري بمختلف فئاته، وتوجيهه توجيهًا عربيًا إسلاميًا، وتربية أجيال من أبنائه تربية إسلامية صحيحة.
ويمكننا أن نستنتج مما أوردنا أمرين هامين:
1 ـ أن المربي يجب أن يكون قدوة لغيره، بأخلاقه الفاضلة، وأن يترفّع عن الشبهات، لأن الناس يتخذونه مَثَلاً يُحتذى.
وعليه كذلك أن يكون مخلصًا في عمله، شجاعًا في مواقفه، قويًّا في شخصيته، رؤوفًا بطَلَبته.
2 ـ أن سلوك المربي وأخلاقه الحميدة، تجعل الناس يطمئنون إليه ويستأمنونه على أبنائهم.
فقد دفع المسلمون في الجزائر بأفلاذهم إلى ابن باديس، دون المدارس الرسمية الحكومية، مع ما تتضمنه من مغريات في الوظائف وغيرها.
وهكذا يتبيّن لنا أن السمات الشخصية للمربي، لها بالغ الأثر في توفير الوسط الملائم لإنجاح جهـوده التربوية، والوصول بها إلى الغايـات العلا.
والحقيقة أن ابن باديس كان ناصعًا في تاريخه، سجّل في صفحاته كل خير وإحسان.
فقد تميزت مسيرته التربوية الطويلة بتوثيق صلته بالشعب عامة، وجماهير المساجد التي يخطب فيها خاصة، ولا شك أن الناس حينما يشعرون بقُرب الداعي منهـــم، ومجاملتـه ومشاركته لهم في أفراحهــم وأتراحهم، يعيش بينهم ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، يحبونه ويثقون به.
وإذا كان كثير مما ذكرناه قد لا يؤثر في طلاب المدارس تأثيرًا مباشرًا لوقوعه خارج محيط المدرسة، فإن ابن باديس لم يحصر جهوده في ذلك المحيط، بل تعدّاه ليطال طبقات أوسع من المجتمع، إيمانًا منه بأن للعامة حقًا في ذلك.

الفصل الثاني
إصلاح التعليم عند ابن باديس
المبحث الأول : إصلاح المناهج
إن ابن باديس عند وضعه لمناهج التعليم، لم يكن مذهبه مثاليًا مبنيًا على تصورات نظرية، بل كان واقعيًا، أملته متطلبات العصر، وأولويات المجتمع ومعتقداته.
وعناية ابن باديس بموضوع التربية، ليست عناية الباحث المنظّر، الذي لا شأن له بالتطبيق العملي، بل كان يمارس ذلك كل يوم في حلقات الدروس في الكتاتيب والمدارس، وحتى في النوادي والأسواق.
وقبل أن نتطرق إلى رأي ابن باديس في إصلاح المناهج والبرامج الدراسية، نوضح أولاً مفهوم الإصلاح عنده، والمدارس التي أثّرت في منهجه التربوي.
يعرّف ابن باديس الإصلاح فيقول: (هو إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله، بإزالة ما طرأ عليه من فساد).. ويقول: (صلاح الشيء: هو كونه على حالة اعتداله في ذاته وصفاته، بحيث تصدر عنه أو به أعماله المرادة منه على وجه الكمال).
وقد لاحظ ابن باديس أن المناهج والبرامج المتبعة في زمانه، ليست في حالة اعتدال، سواء في صورتها أو مادتها، لإهمالها كثيرًا من المبادئ الخالدة التي جاء بها الإسلام، فهو يرى أنه (لن يصلح هذا التعليم إلا إذا رجعنا به للتعليم النبوي في شكله وموضوعه، في مادته وصورته، فيما كان يعلّم صلى الله عليه و سلم، وفي صورة تعليمه).
ويرى ضرورة إعداد المناهج المناسبة لتنشئة أجيال المستقبل وتربيتها التربية الصالحة، موضحًا ذلك بقوله: (إن أبناءنا هم رجال المستقبل، وإهمالهم قضاء على الأمة إذ يسوسها أمثالهم، ويحكم في مصائرها أشباههم... ونحن ينبغي هنا أن نربّي أبناءنا كما علّمنا الإسلام، فإن قصّرنا فلا نلومنّ إلا أنفسنا، ولنكن واثقين أننا نبني على الماء ما لم نعدّ الأبناء بعدّة الخُلُق الفاضل، والأدب الديني الصحيح).
ويحرّض ابن باديس رجال التربية في عصره على ضرورة إعادة النظر في البرامج التربوية، فيتساءل مستنكرًا: (فهل نعدّ منهجًا ينبت به أبناؤنا نباتًا حسنًا فيكون رجاؤنا عظيمًا، أم نستمر على ما نحن عليه فيضيع الرجاء؟ ذلك ما نُسأل عنه يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم).
ويوضح في هذا السياق أهمية إصلاح تلك البرامج، مؤكدًا على الصبغة المتميزة التي ينبغي أن تكون عليها، فيقول: (فالتعليم هو الذي يطبع المتعلّم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته، وما يستقبل من عمله لنفسه وغيره... ونعني بالتعليم: التعليم الذي يكون به المسلم عالمًا من علماء الإسلام، يأخذ عنه الناسُ دينهم، ويقتدون به فيه).
وكان أهـــل المغــرب يبعثون بأبنائهـــم إلى الكتاتيب منذ الصغــر، ولم تكن هناك سِنٌّ معينة يبدأ عندها الطفل في تلقي العلم، وإنما كان الأمر متروكًا للآباء، فمتى وجدوا أن الطفل بدأ في التمييز والإدراك أرسلوه إلى الكُتَّاب.
وأما طريقتهم في تعليم الصبيان في الكتاتيب، فيصفها العلامــة ابن خلدون بقوله: (فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث، ولا من فقه، ولا من شِعْر، ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه).
وظلت تلك الطريقة متبعة عند أهل المغرب إلى أن سقطت آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وهاجر الكثير منهم إلى شمال أفريقيا، فتأثر المغاربة بطريقة أهل الأندلس التي يصفها ابن خلدون بقوله: (وأما أهل الأندلس فمذهبم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو، وهذا هو الذي يراعونه في التعليم، إلا أنه لما كان القرآن أصل ذلك وأسّه ومنبع الدين والعلوم، جعلوه أصلاً في التعليم، فلا يقتصرون لذلك عليه فقط، بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسّل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها، وتجويد الخط والكتاب.
هذه هي طــــرق أهــل المغـــرب وأهــل الأندلس، فمــاذا كانت طريقــة ابن باديس في ذلك؟
أما ابن باديس فلم يحدّد سنًا معلومة لالتحاق الطلبة بالمدارس، فكان من بين متعلميه من تناهز أعمارهم الثلاثين سنة.
وقد تأثر إلى حد كبير بالطريقة الأندلسية في التدريس وإصلاح التعليم، يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، واصفًا الطريقة التي ارتضاها وابن باديس لتربية النشء: (وكانت الطريقة التي اتفقنا عليها أنا وابن باديس في اجتماعنا في المدينة، في تربية النشء، هي ألا نتوسّع له في العلم، وإنما نربّيه على فكرة صحيحة، ولو مع علم قليل، فتمت لنا هذه التجربة في الجيش الذي أعددناه من تلامذتنا).
ومن قبل قال ابن خلدون: (اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين يكون مفيدًا لو تمّ ذلك بالتدريج شيئًا فشيئًا، قليلاً قليلاً، فيلقى على المتعلم مسائل من كل باب من الفن، هي أصول ذلك الباب).
وكان ابن باديس رحمه الله يحرص على الكيف أكثر من حرصه على الكم، يرى التركيز على الفهم وإعمال الذهن وتشغيل قوى المخيلة، أكثر من شحن الذاكرة.
هذا بالنسبة إلى الطريقة المتبعة، أما بالنسبة لمحتوى المنهج فيوضّحه ابن باديس بقوله: (تشتمل الدروس على التفسير للكتاب الحكيم وتجويده، وعلى الحديث الشريف، وعلى الفقه في المختصر وغيره، وعلى العقائد الدينية، وعلى الآداب والأخلاق الإسلامية، وعلى العربية بفنونها كالمنطق والحساب وغيرهما).
أما التفسير، فقد تصدّر هو بنفسه لتفسير كتاب الله العزيز الحكيم، وأما الحديث فمن (موطأ الإمام مالك)، والفقه من (أقرب المسالك)، و(رسالة ابن عاشر)، والعربية من (قَطْرِ النَّدَى)، والشعر من (ديوان الحماسة وديوان المتنبي)، إضافة إلى تدريس (مقدّمة ابن خلدون)، وتعليم الطلبة بعض الصنائع اليدوية.
وعلى هذا، فهو يقسم العلوم إلى صنفين:
علوم مقصودة لذاتها: كالتفسير والحديث والفقه والعقائد، وعلوم آلة كالعربية والحساب وغيرهما، ولم توضح آثار ابن باديس تفصيل برامج المستويات المختلفة، سوى أنها تشير إلى أن المتعلمين كانوا على أربع طبقات.. ويتبين من خلال ما ذكرناه أن ابن باديس كانت له طريقة خاصة في التعليم، فظروف الاستعمار لم تسعف الصبيان في الالتحاق بالكتاتيب والمدارس في السن المناسب، فاحتضنهم ولم يحرم منهم أحدًا من طلب العلم رغم تباين أعمارهم.
إلى جانب ذلك نراه جمع بين طريقة أهل المغرب في تركيزه على القرآن الكريم، الذي هو كتاب هداية للبشرية، وأساس تعليم الدين والتفقه فيه، وبين طريقة أهل الأندلس في تعلم الشعر وقوانين العربية، إضافة إلى إثراء برامجه بمادة الحساب والصنائع اليدوية، لأهميتها اللازمة للكسب والعمران، مشيرًا بذلك إلى ضرورة ربط المواد الدراسية بحاجات المجتمع ومتطلباته.
وقد أرشد ابن باديس إلى الاستفادة من خبرات المعلمين، والأخذ بآرائهم في ما يهمّ التعليم ومدارسه ونظمه وأساليبه، بغية التوصل إلى توحيد مناهج التعليم وترشيده.
ودعى في رسالته التي وجهها إلى رجال التربية والتعليم في الجزائر، إلى عقد مؤتمر عام لتبادل الآراء والخبرات في مجال التربية، قصد تحسين وتطوير الجوانب التالية:
- أســــلوب التعــــليـــــم.
- أسلوب تربية الناشئة.
- طريقة اختيار الكتب.
- تعليم البنت المسلمة ووسائل تحقيقه.
- وسائل تنظيم وترقية التعليم المسجدي.
إضافة إلى الاستفادة من خلاصة تجاربهم في مجال التربية والتعليم
المبحث الثاني : إصلاح التعليم في جامع الزيتونة
الحقيقة أننا حين نستحضر الجهود التي بذلها الشيخ ابن باديس في مجال إصلاح المناهج التربوية، ندرك بوضوح شمول نظرته، وصدق إحساسه بمواضع الداء.
وهو إذ يصب جل جهوده نحو ترشيد التعليم في الجزائر، فهو يسعى كذلك إلى إصلاحه في غيرها من المدارس والمعاهد، ولا أدلّ على ذلك من اهتمامه الـمُلِحّ بإصلاح التعليم في جامع الزيتونة. هذا الجامع هو عبارة عن كلية دينية يتخرج منها رجال القضاء والفتوى، ورجال الإمامة والخطابة ورجال التعليم.
واهتمام ابن باديس البالغ بهذا القطاع، نابع من اعتقاده بأن صلاح المسلمين بصلاح علمائهم، وأن (العلماء من الأمة بمثابة القلب، إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجســـد كله... ولن يصلــح العلمــاء إلا إذا صلح تعليمهم، فالتعليم هو الذي يطبع المعلّم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته).
ومن خلال مقالات ابن باديس العديدة حول حالة التعليم في جامع الزيتونة، يتضح مدى التدهور الذي كان يعانيه ذلك القطاع في مناهجه ووسائله، من ذلك قوله: (قد حصلنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، ونحن لم ندرس آية واحدة من كتاب الله، ولم يكن عندنا أي شوق أو أدنى رغبة في ذلك، ومن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يومًا منزلة القرآن من تعلّــم الدين والتفقه فيــه، ولا منزلة السنة النبوية من ذلك، هذا في جامع الزيتونـة، فـدع عنك الحديث عن غيـــره مما هو دونه بمديد المراحل).
والذي جعل البرامج في هذا الجامع قاصرة عن أداء رسالتها، هو عدم اتزانها، فكثر جمودها وقلّت فائدتها.
ومن المعروف عند أهل العلم، أن العلوم منها ما هي مقصودة بالذات كالتفسير والحديث والفقه، وأخرى آلية -وسيلة لتلك العلوم- كالعربية والحساب والمنطق. (فأما العلوم التي هي مقاصد، فلا حرج في توسعة الكلام فيها، وتفريع المسائل، فإن ذلك يزيد طالبها تمكنًا في ملكته، وإيضاحًا لمعانيها المقصودة.. أما العلوم التي هي آلة لغيرها... فلا ينبغي أن ينظر فيها إلا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط).
غير أن الواقع في جامع الزيتونة، هو التوسع في العلوم الآلية، والإفراط في ذلك إلى درجة الابتعاد عن الغرض منها، وإعاقة تحصيل العلوم المقصودة لذاتها، فيخرج الطالب ولم يحصل من ذلك على شيء.. ويصف لنا ابن باديس استفحال ذلك الانحراف، فيقول: (وفي جامع الزيتونة عمّره الله تعالى، إذا حضر الطالب بعد تحصيل التطويع في درس التفسير -ويا للمصيبة- يقع في خصومات لفظية... في القواعد التي كان يحسب أنه فرغ منها من قبل، فيقضي في خصومة من الخصومــات أيامًا وشهــورًا، فتنتهي السنــة، وهو لايــزال حيث ابتــدأ أو ما تجاوزه إلا قليلاً، دون أن يحصل على شيء من حقيقة التفسير، وإنما قضى سنته في المماحكات، بدعوى أنها تطبيقات للقواعد على الآيات، كأن التفسير إنما يقرأ لأجل تطبيق القواعد الآلية، لا لأجل فهم الشرائع والأحكام الإلهية، فهذا هجر آخر للقرآن مع أن أصحابه يحسبون أنفسهم أنهم في خدمة القرآن).
هذه الأمور وغيرها مما يحدث في جامع الزيتونة، جعل ابن باديس يتقدم باقتراح شامل لإصلاح البرامج فيه، نلخصها في ما يلي:
* تقسيم المراحل الدراسية إلى مرحلتين:
أ ـ مرحلة المشاركة: أو ما يسمى في بعض الجامعات بالقسم العام أو الجذع المشترك، حيث يتساوى فيه المتعلمون في المعلومات، على اختلاف مقاصدهم، وأن لا تقل مدة الدراسة في هذا القسم عن ثماني سنوات، يتعلم خلالها الطلبة:
1 ـ فنون اللغة العربية، وتاريخ الأدب العربي.
2 ـ العقائد الإسلامية، وأن تؤخذ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
3 ـ الفقه، بحيث يقتصر فيه على تقرير المسائل دون تشعباتها.
4 ـ تفسير القرآن العظيم، من تفسير الجلالين.
5 ـ الحديث النبوي، بدراسة مختارات من كتب السنة.
6 ـ التربية الأخلاقية، من الآيات والأحاديث وآثار السلف الصالح.
7 ـ الحساب والجغرافيا ومبادئ الطبيعة والفلك والهندسة.
ب ـ مرحلة التخصص: لـمّا كان المتخرّجون من الجامعة الزيتونية على ثلاثة أصناف حسبما يتصدّرون إليه بعد تخرجـهم، رأى ابن باديس أن يفرّع قسم التخصص إلى ثلاثة فروع:
1 ـ فرع للتخصص في القضاء والإفتاء، على أن لا تقل مدة الدراسة فيه عن أربع سنوات، يدرس خلالها الطلبة ما يلي:
- يتوسع لهم في فقه المذهب، ثم في الفقه العام، ويكون كتاب (بداية المجتهد) من الكتب التي يدرسونها.
- دراسة آيات وأحاديث الأحكام، ودراسة علم التوثيق، والتوسع في علم الفرائض والحساب، ويطلعون على مدارك المذاهب، حتى يكونوا فقهاء إسلاميين، ينظرون إلى الدنيا من مرآة الإسلام الواسعة، لا من عين المذهب الضيّقة.
2- فرع للتخصص في الخطابة والإمامة، تكون مدة الدراسة فيه سنتين، يتوسّع الطلبة خلالها في صناعة الإنشاء، والاطلاع على أنواع الخطب، مع دراسة آيات المواعظ والآداب وأحاديثهما، ويتوسعون في السيرة النبوية ونشر الدعوة الإسلامية، ويتمرّنون على إلقاء الخطب الارتجالية.
3- فرع للتخصص في التعليم، تكون مدة الدراسة فيه سنتين، يتوسع الطلبة خلالها في العلوم التي يريدون التصدي لتعليمها، وتمرينهم على التعليم بالفعل، مع التركيز على دراسة كتب فنّ التعليم.
هذا باختصار ما اقترحه الشيخ ابن باديس لإصلاح المناهج المتبعة في جامع الزيتونة.
إضافة إلى ذلك يرى (أن المعلمين في قسم الاشتراك يكونون من الحائزين على شهادة التخصص في التعليم، وكذلك المعلمون في فرع التخصص للتعليم، وأما المعلمون في فرع القضاء والفتوى فلابد أن يكونوا ممن تخصصوا فيهما وتخصصوا في التعليم، وكذلك المعلمون في فرع الخطابة).
يتبين من ذلك أن ابن باديس رحمه الله، أدرك أهمية المعلّم في إنجاح العملية التربوية، وأن إصلاح المناهج يفتقد أهميته إذا لم يتوفر المدرس الكفء. لذلك نراه قد ركّز على أمرين هامين:
1- أن يكون المعلم متمكنًا من العلوم والفنون التي يتصدر لتدريسها، مستوعبًا لتفاصيلها وفروعها.
2- أن يكون المعلم ملمًّا بمبادئ فن التعليم، حتى يتمكن من التأثير في طلبته ومعاملتهم بحسب ما يلائمهم في الجوانب المعرفية والسلوكية، ذلك أن أهم ما يحتاج إليه المعلم هو: (معرفة أساليب التفهيم، وفهم نفسية المتعلمين، وحسن التنزّل لهم، والأخذ بأفها


ابن باديس وجهوده التربوية 4

ماسينيسا
طالب نشيط
ماسينيسا
طالب نشيط

السٌّمعَة : 30
ذكر
نقاط : 1460
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Empty
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Clock13 2012-02-11, 7:06 pm

[ thanks ]

مرسي

[على] الموضوع تستاهل تقييم و تشجيع [على]
المجهودات الرائعة
ننتظر

منكـ
المزيد |
دمت مبدعا و بـــ الله
ـــاركـ فيك
تح
ــياتي وشكري ليك
دمت


ابن باديس وجهوده التربوية 4

استاذ المنتدى
طالب نشيط
استاذ المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 34
ذكر
نقاط : 1989
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Empty
http://omaarab.7olm.org/
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Clock13 2012-02-19, 7:12 pm

مشــكور على الموضوع

و علـــ إفادتك

لنا و للجمـــيعـ ـــى

ننتظر المزيد من

إبداعاتك و نشاطك

وإفادتك


ابن باديس وجهوده التربوية 4

مدرس المنتدى
طالب نشيط
مدرس المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 35
ذكر
نقاط : 1936
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Empty
ابن باديس وجهوده التربوية 4 Clock13 2012-03-28, 9:04 pm

بارك الله فيك فيك يا بطل

نتظر مزيد من الإبداعات



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى :: بــــحوث مدرسية-

Urban Leveling manga | Sweet Enemy manga | Black Queen manga | D-List Actress On The Rise manga | Emp’s Contracted Ex manga | Marry to Find Love manga | Mind-Reading Princess manga | Help! My Pokeman Boyfriend Is real | Exclusive Possession of Your Heart manga | Her Majesty Is Busy manga | raw manga | The Strongest God King | read raw manga | Versatile Mage manga | Release That Witch | Springtime for Blossom | Tales of Demons and Gods | تفسير حلم الثعبان | تفسير حلم قص الشعر | تفسير حلم الحمل | initial d apk | h tweaker apk | apk hello neighbor | Apk D-Touch 4.1 | apk jio 4g voice