<blockquote class="postcontent restore " align="right">



اخترت
الصفحة الأخيرة من رواية تتألف من 325 صفحة رواية رائعة بكل المقاييس
البنائية والمتعة السردية والحكايات العشقية التي شهدتها يوما صحراء الشام
ونجد من رواية سلطانات الرمل للكاتبة السورية لينا هويان الحسن
ثمة
مشاعر لا يمكن أن تجد لها رديفاً بين الكلمات، مشاعر أكثر مما نستطيع شرحه
بالحروف، مثل شعورك حين تحس بحضور شخص ما.. أحدٌ ما، أحدٌ لا يوجد، لكنه
سبَّب ارتباكك كله.
ذلك الطيف الذي تراه بين حين وآخر على امتداد الزمن أمامك وخلفك و جوارك..
مربوطاً فيك بخيط من حرير الأمس.. ماذا يهم لو لم تر الأنسان ذاته، لكنك
تسمع حفيفه و تشم رائحته.. يجتاحك بهبوب غامض الاتجاه، يقبض عليك وأنت
متسكع خارج مدارات السراب مطارداً تلك الأشياء الخاطفة من كلمات، نظرات،
وجوه، دروب متعرجة، ملتوية، تغيب في ضباب البعد.
كان يجول مع أفراد بعثة أجنبية قادمة لاستكشاف قصر ابن وردان. مشى معهم ،
يسوح بهم بين الأروقة البيضاء والضوء والجدران العالية.. والصمت الأكثر
قدماً. جدران بلا سقوف.. السماء تسلط كل اتساعها وتؤسس لإحساسك المباشر
بالأعالي الفسيحة.
يحسُّها تنظر إليه.. مثل ذات يوم، أصبح موغلاً في البعد الآن، عبر لحظة
عميقة متحركة بيضاء، ويتهشم التاريخ ألف قطعة وقطعة.. ألف كمين وكمين، كان
يجب أن يدخل القصر على أطراف أصابعه في أول الليل ويحرق البخور ليستحضرها
لعلها تكون لائذة وراء جدار ما.. تمازحه.. فالموتى قادرون على دفن
الأحياء.. أيضاً هكذا كان يهمس «طراد» لطيفِ «سلطانة» الافتراضي.. فالموتى
يزورُون ماضيهم.. وحصان التذكر يخبُّ هابطاً أدراجاً خفية كل الممرات
السرية المظلمة وبعيداً عن فجور الضوء أغمضي عينيك على أحلامك وخارج الوجود
ذاته وربما حين نصبح لا شيء نتلاقى.. ونمحو الغياب ذاته، واصلي السير على
الرمال التي أحببناها سوياً وعلى مهل تقدمي وسلِّمي الأشياء كلها للصمت
الأكثر نقاء.
يصعد الطابق الثاني من القصر والأجانب يتبعون «طراد» في عيونهم دهشة الزمن ويشرح لهم عن تاريخ المكان.
في الشرفة كان المشهد مثل فيلم وثائقي واضحاً صريحاً مباشراً: كل شيء
منظماً، سليماً، منطقياً، وقف المكان كله عارياً: لا أبواب ليطرقها أحد، لا
أبواب ليوصدها أحد في وجه أحد.. مرحباً بكذبك أيها السراب.. عالياً طيّرها
جوارحك البائدة، واضبط مشيتك على إيقاع قدمي سرحانٍ غابر..
مرحباً بشاربيك المنمقين، المفتولين إلى أعلى كما أنفك.
مرحباً بصمتك الذي يُربِكُ، مثل بوحك.
مرحباً بصدقك الذي يحيِّر أكثر من كذبك.. ومرحباً بكذا ألف سنة خلت واحمرت
رؤوسها من الحناء.. وقامتك تبعثر في وجه التاريخ عظامه وأحشاؤه وحتى ملامح
وجهه.
مرحباً، بحضرتك وأنت تخلط الصباحات بالآماسي كعاشقين وحدتهما لحظة نشوة مشتركة.
لا تتدعي التيه اتركه لنا، شيء لا مرئي يكنس رقعة الشطرنج ويخلفنا غرباء يأسفون على كل شيء.
وألف مرحباً بسراب كثعبان بعيني غزالة.
كان الفراغ يعثر على طريقه في كل أنحاء القصر كل شيء كان مفتوحاً على
الفلوات المنبسطة حوله. شريط التذكر يمر زائغاً مثل ثعلب الخدعة، وهناك
وقف «طراد» يحدق في أفق ليس يمحوه أي شيء.
ووصل إلى يقينه، الصحراء لغزٌ والسراب تفسيرٌ.
خرج «طراد» وهو يشمُّ طريقه.
. . . . . . . . .
. . . . .
لازالت شقائق النعمان تبزغ في الربيع.. لتثير فكرنا خلال لحظة فيها نؤكسد الذاكرة ، و نقرأ القادم. </blockquote>

مشكووووووووووووووووووووووووووووور