الاستقامة  في مائة حديث نبوي Ezlb9t10
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Ezlb9t10





 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديدنا :
آخر المواضيع
date2014-05-25, 2:29 pm
member
date2014-05-25, 12:55 pm
member
date2014-03-19, 10:44 pm
member
date2014-03-03, 10:03 pm
member
date2013-11-09, 10:39 pm
member
date2013-10-04, 4:33 pm
member
date2013-09-30, 6:49 am
member
date2013-09-21, 9:34 pm
member
date2013-09-21, 9:29 pm
member
date2013-09-21, 9:28 pm
member

الاستقامة في مائة حديث نبوي

Admin
مؤسس المنتدى
Admin

السٌّمعَة : 0
ذكر
نقاط : 22423
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Empty
http://omaarab.7olm.org
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Clock13 2012-02-10, 6:34 pm

الاستقامة
في مائة حديث نبوي

الدكتور محمد زكي محمد خضر
تـقـــديـــم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.
وبعد ، فقد يسّر الله جمع مائة حديث في أبواب الإستقامة... ولكن لماذا الإستقامة؟ قال الله تعالى: “ إنّ الّذين قالوا رَبُّنا اللّهُ ثُمّ استقاموا تَتَنَزّلُ عَليهمُ المَلائِكَةُ أن لا تَخافوا ولا تَحزَنوا وأبشِروا بالجَنَّةِ الّتي كُنتُم توعَدون “ .. فالمسلمون قد مضوا بشطر هذه الآية حيث قالوا ربنا الله فأقروا بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله.. أما الشطر الثاني فمعظمهم بعيد عنه... لقد وعدهم الله ، ووعد الله حق.. إذا ما استقاموا أن تتنزل عليهم الملائكة وهي تنادي أن لا تخافوا.. ولاتحزنوا.. وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.. فالحزن بعيد عمن إستقام.. والخوف بعيد عنه.. وله البشرى.. وله الرزق الحسن.. وأ لَّو استَقامُوا عَلى الطَريقَة لأسقيناهُم ماء غَدَقا لِنَفتِنَهُم فيهِ ومَن يُعرِض عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكهُ عَذابا صَعَدا ” .. وما الطريقة التي تريد الآية الإستقامة عليها سوى الطريقة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو أول من سلك طريقة الإستقامة قدوة لهذه الأمة مستجيبا لأمر الله تعالى: ” فاستَقِم كَما أُمِرتَ ” وليس ذلك وحده.. بل: ” ومَن تابَ مَعَكَ ” .. وطريق الإستقامة هذه تسير بعكس طريق الطغيان.. ” ولا تَطغوا ، إنَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصير ” . ويؤكد الله ذلك مرة أخرى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ” لِذلك فادعُ واستَقِم كَما أُمِرتَ ولا تَتَّبِع أهواءَهُم واحذَرهُم أن يَفتِنوكَ عَن بَعضِ ما أُنزِلَ إليكَ... ” كما أمره أن يخاطب الناس يدعوهم للإستقامة: ” قُل إنَّما أنا بَشر مِثلُكُم يوحى إليّ أنَّما إلَهُكُم إله واحِد فاستقيموا إليهِ واستَغفِروهُ وويل للمُشرِكينَ ” .
وهكذا يتضح الطريق أمام المؤمن.. فليس له أن يسلك طريقا سواه.. أدع.. إستقم كما أُمرت.. ولا تَتبع أهواء الكافرين والفاسقين والمنافقين.. ثم الحذر أن تزل القدم بالفتنة فيزيغ المرء عن الصراط المستقيم.. ففيما أنزل الله على رسوله الحق.. كل الحق.. وليس غير الحق. ومن ثم تكون الإستقامة خير من ألف كرامة.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شِبتَ يا رسول الله! فقال: ” شيَّبَتني هود وأخواتُها ” .. وماذا في هود مما يشيب الرسل أثقل من قوله تعالى: فاستقم كما أمرت.. فما هو طريق الإستقامة هذا؟ وما عسى المؤمن أن يفعل لكي يسير على هذا الطريق؟ وما الإستقامة التي يريدها الله تعالى لرسوله.. ولمن تاب معه..؟ ندعو الله أن يكون في هذا الكتاب الإجابة على ذلك.. فهذا كتاب لمن قال (ربنا الله).. موقنا بها بصدق... ثم بعد ذلك تكون هذه الأحاديث مرشدة له على طريق الإستقامة إن شاء الله. ورغم أن بين دفتي الكتاب أكثر من سبعين حديثا آخر ضمن الشرح أو الهوامش ، لكنه لا يكاد يستوعب جميع مضامين الإستقامة ، فكل موضوع من مواضيع الأحاديث المائة فيه عشرات من الأحاديث ويستحق كتابا خاصا ربما في مائة حديث.. ولكن ندعو الله أن تكون هذه الأحاديث مصابيح لسالكي طريق الإستقامة ، كي يتعلموها ويتمعنوا فيها ويعملوا بها ويدعوا إلى ما فيها.
هذا الكتاب لا يكاد يتجاوز إعطاء إشارات عما ورد فيه من أحاديث صحيحة.. فما هو إلاّ تأملات في ظلال هذه الأحاديث.. وهل يمكن أن يحوي كتيبا صغيرا كهذا شرحا للأستقامة التي مجالها العملي هو الدين كله ، بعد مجال الجزء النظري من الدين أي العقيدة؟ لقد تم توزيع أحاديث الكتاب على سبعة أبواب . الباب الأول يتعلق بإستقامة الأعمال الباطنة كالنية والإخلاص والتزام التقوى ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والتوبة إلى الله عزوجل واليقين به والرضا بما قدر والصبر على البلاء والتوكل على الله والقناعة والزهد والخوف والرجاء.
أما الباب الثاني فيضم الإستقامة فيما يتخذ المؤمن من منهاج ودليل عمل يستند إلى المعرفة بالله تعالى . فعلى المؤمن أن يعتبر القرآن مصدره الأول ثم سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم بعد ذلك يأتي الإجتهاد ولزوم الجماعة وعدم إطاعة مخلوق في معصية الله تعالى وأن لا يكون إمعة ويجتنب البدع وسبل المشركين والمنافقين . وعلى المؤمن أن ييسر ولا يعسر وأن يتقن عمله ويستغل أوقاته ويتسامح مع من خالفه فيما إختلف فيه الفقهاء وأهل العلم ويستخير ربه في أمور دنياه وآخرته.
والباب الثالث هو باب العبادات والتي تأتي في مقدمتها الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا ، وليست العبادات تلك فحسب ، فالطهارة عبادة وتلاوة القرآن عبادة وطلب العلم عبادة ، وكذلك الذكر والدعاء والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والتفكر في خلق الله والشكر على نعمائه.. كل هذه من العبادات.

ويتضمن الباب الرابع أحاديث إجتناب المعاصي التي نهى عنها الله ورسوله وأسس تحديد الإثم . فالكبائر التي حرم الله تعالى كعقوق الوالدين وقطع الأرحام وأكل مال اليتيم وقتل النفس التي حرم الله والخمر والميسر والزنا وقول الزور والسحر وقذف المحصنات والتخنث ولبس الذهب والحرير للرجال وتشبه النساء بالرجال وتركهن الحجاب والخيانة والكذب والظلم والغش واللعن والإحتكار. أما الباب الخامس فتتعلق أحاديثه بالأخلاق ، وإنما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتمم مكارم الأخلاق من صدق وحسن خلق وحياء وحفظ اللسان وتواضع وغض للبصر وسخاء ورحمة لعباد الله وترك الجدال وما لا يعني.
أما الإستقامة في المعاملة فهي موضوع أحاديث الباب السادس وأساسه أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ، وحب الصالحين وبذل النصح والعدل بالحكم والإحسان إلى الجار وذوي الأرحام والرفق في كل شيء وخاصة للمرء مع أهل بيته وطاعة المرأة لزوجها ورعايتها لولدها وأداء الأمانات والإيفاء بالوعود. وفي آخر باب من الكتاب وضعت أحاديث في تزكية النفوس ، فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها . فإجتناب التكبر والرياء ومحاسبة النفس وترك الحسد وسوء الظن وذكر الموت ، كل تلك من جوانب الإستقامة.
إن الإستقامة التي كانت حملا ثقيلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أثقل من أن تجمع في صفحات كتيب كهذا ، وما أهمله الكتاب أكثر مما ذكر فيه وحسب الكتاب أن جمع بعض جوانبها ، وهو لا يخلو من هفوات ونقائص شأنه شأن كل كتاب غير كتاب الله تعالى فمن وجد فيه خيرا فليحمد الله فمنه الفضل وحده ومن وجد فيه غير ذلك فليدعو الله أن يغفر الزلات ، ولا يظنن ظان تزكية عمل كهذا:
أمرتك الخير لكن ما إتمرت به وما استقمت فما قولي لك استقم
وحسبنا أن نحب الإستقامة وأهلها وندعو الله أن يهدينا إلى طريقها ويحشرنا تحت لواء رسول الإستقامة صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو الهادي إلى الصراط المستقيم.
المؤلف
الموصل في 12ربيع الأول 1408هـ
الموافق 4 تشرين الثاني 1987م
آيات الإستقامة

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (هود/112)ـ
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (الشورى/15)ـ
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (يونس/89)ـ
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (فصلت/30)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (الأحقاف/13)ـ
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (الجن/16)ـ
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (فصلت/6)ـ
إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (الإسراء/9)ـ
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (التوبة/7)ـ
قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأحقاف/30)ـ
لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ (الحج/67)ـ
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (الحجر/41)ـ
وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (الأنعام/126)ـ
لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (التكوير/28)ـ
إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/6)ـ
وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (الصافات/118)ـ
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (النساء/68)ـ
فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (النساء/175)ـ
لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح/2 )ـ
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح/20 )
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (آل عمران/51)ـ
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) مريم/36)ـ
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (يس/61)ـ
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) الزخرف/61)ـ
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (الزخرف/64)ـ
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة/142)
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَ/تْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة/213)ـ
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (آل عمران/101)ـ
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (المائدة/16) ـ
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأنعام/39)ـ
وَمِنْ ءَابَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأنعام/87)ـ

قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام/161)ـ
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (يونس/25)ـ
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (هود/56)ـ
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل/76) ـ
شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل/121)ـ
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الحج/54)
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (المؤمنون/73)ـ
لَّقَدْ أَنزَلْنَا ءَايَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النور/46)ـ
عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (يس/4)ـ
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الشورى/52)ـ
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الزخرف/43)ـ
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الملك/22)ـ
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/16)ـ
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام/153)ـ
الباب الأول
الاستقامة في السرائر

ـ 1 ـ النية
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلىالله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:
” إنّ اللّه كَتَب الحَسَنات والسيئات ثُمّ بيَّن ذلك فَمَن هَمّ بِحَسَنَة فَلَم يَعمَلها كَتَبَها اللّه تَبارَكَ وَتَعالى عندَهُ حَسَنَة كاملة ، وإن هَمّ بها فَعَملها كَتبها اللّه عشر حَسَنات إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هَمّ بِسيئة فَلَم يَعملها كتَبَها اللّه تَعالى عنده حَسَنَة كاملة ، وإن هَمّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللّه سيئَة واحِدة ”
متفق عليه (1) ـ
يبدأ الكثير من كتب الحديث بالحديث المشهور الذي قال عنه بعض أئمة الحديث أنه وصل حد التواتر المعنوي(2) ” إنّما ألأعمال بالنيات وإنّما لكُل إمرئ ما نوى ، فَمَن كانت هِجرَتُهُ إلى اللّه ورسولِه فهِجرتُه إلى اللّه ورسوله ، ومَن كانت هجرتُه لدُنيا يُصيبُها أو إمرأة ينكِحُها فهجرته إلى ما هاجر إليه ” (3).ـ
فالنية أساس العمل ، تقترن النية الصالحة بالعمل القليل فترفعه ليكون من أقرب القربات ، أما النية السيئة فإذا اقترنت بالعمل الصالح الكثير فإنها تحيله إلى هباء منثور. قال تعالى: ” وَقَدِمنا إلى ما عَملوا من عَمَل فَجَعلناهُ هباء منثورا ” [4). ـ
أنظر إلى كرم الله تعالى: ينوي المرء فعل حسنة ثم لا يفعلها فيكتبها الله له حسنة ، فإذا فعلها تضاعفت عشرا أو مائة أو سبعمائة أو أكثر من ذلك إلى ما شاء الله بحسب نيته وإخلاصه.وإن نوى فعل سيئة ثم فعلها ، كتبت له سيئة واحدة لاغير. أما إذا لم يفعلها فإن الله يكتبها له حسنة . ولا تعجب من ذلك فإن ترك السيئة هو حسنة بذاته.
هذا الحديث يذكر المؤمن بأن ينوي فعل الخير في كل لحظة يستطيع ذلك ، فإن إستطاع تنفيذ فعل الخير فبها ونعمت ، وإن لم يستطع فإن الله يجازيه على حسن نيته. وهكذا فإن نية المؤمن خير من عمله لأن ما ينويه من خير أكثر مما يستطيع عمله في وقته المحدود وماله المحدود وقابلياته المحدودة . ولذلك على المرء أن يراقب نيته كما يراقب عمله فإذا ما وجد في نيته قصدا لغير الله وجب عليه تصحيح نيته في ذلك.
وقد يعجب بعض الناس من بركة عمل صالح لفرد ما حيث تتضاعف الفائدة منه وبذلك ينال صاحبه أجرا عظيما ، بينما لايحصل آخر عمل عملا مشابها على مثل تلك النتيجة ، وما ذلك في أغلب الأحيان إلا بتأثير النية الحسنة ، فأول خطوات الإستقامة تصحيح النية لكي تكون خالصة لله تعالى.
والنية الحسنة لا تحيل المعصية خيرا . قيل كان رجل يسرق كل يوم درهما فيشتري به خبزا فيدفعه إلى فقير. فلما إكتشف أمره قال إنه يسرق فيكسب سيئة واحدة فيتصدق فيكسب عشر حسنات ، تمحو إحداهن السيئة فيبقى له تسعا . فهذا الجاهل قد إكتسب سيئة ولم تكتب له أية حسنة ، لأن الصدقة من الحرام غير مقبولة والنية الحسنة هنا لا تجدي نفعا . لكن النية الحسنة في الأمر المباح تحيله عبادة . فالترويح عن النفس بغير نية إذا لم يكن فيه معصية لا إثم ولا ثواب فيه. أما إذا كانت النية في الترويح عن النفس الإستعداد لطاعة الله ، فعند ذلك يصبح الترويح عن النفس عبادة . قال أبو الدرداء إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو فيكون ذلك عونا لي على الحق. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: روِّحوا القلوب فإنها إذا كرِهَت عَمِيَت . وفي رواية إذا كلّت عميت أو تعبت.
ـ 2 ـ الإخلاص
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” قالَ اللّهُ تَباركَ وتَعالى أنا أغنى الشُرَكاءِ عَن الشِرك . مَن عَمِلَ عَمَلا أشركَ فيهِ معي غيري تركتُهُ وشِركَهُ ”
( رواه مسلم )
الإخلاص شرط في قبول الله تعالى للعمل الصالح ، قال الله تعالى: ” وَما أُمِروا إلاّ ليَعبُدوا اللّه مُخلِصين له الدينَ ” (5)ـ ، وقال: ” ألا للّه الدين الخالِص ” (6) ، قال الفضيل بن عياض(7): ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما . وهكذا فإن تمام اليقين بشهادة أن لا إلَه إلاّ الله أن لا ينوي حينما يفعل إحسانا الاّ أن ذلك لله وحده ، ولا يترك فعلا إلا لله ، ولا يتأثر بفعل ما سواء حضر الناس أم غابوا . فإنه ليس لله حاجة بعبادة أحد له ، وهو أغنى الشركاء عن الشرك ، فإذا أشرك العبد في أمر ما بحيث قصد أن يكون لله وللناس فإن الله غير محتاج لذلك العمل . وعلى المسلم أن يراقب نيته وقصده في كل عمل فما كان فيه شركا مع الله تعالى فعليه أن يصحح نيته فيه لكي تكون خالصة لله. كما عليه أن يجتنب الشرك في القول ، كقول أحدهم: هذا لله ولك ، أو قوله إذا أراد الله وأردت ، والحلف برأس المخاطب ، كما عليه أن يجتنب الشرك في الفعل كالذبح تحت أقدام البشر ، أو الركوع أمامهم ، أو الغلو في مدحهم بما يوهم رفعهم فوق مستوى البشر.
وعلى المؤمن أن يكون له ، ولو جزءا من عمله خالصا من أي رياء أو منّ على أحد ، من أعمال السر بحيث لا يعلم به أحد إلاّ الله كصدقة السر أو صلاة التهجد منفردا أو إحسان لا يعلم به أحد حتى من يستفيد منه ويجهد نفسه على أن تكون الأعمال الظاهرة الأخرى خالصة من الشوائب قدر إستطاعته فتلك خطوة أخرى على طريق الإستقامة.كما أن عليه أن لا يترك عملا صالحا من أجل الناس قال الله تعالى عن المؤمنين: ” يجاهدون في سَبيل اللّه ولا يخافونَ لومَة لائِم ” (8) فهو لا يرى لغير الله إرادة أو إستطاعة لضرر إلاّ بإذنه وكلما إزداد المؤمن إيمانا كلما وضحت عنده تلك الحقيقة وفتح الله له بحيث يرى براهين جديدة تطمئن إليها نفسه. كتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه: سلام عليك ، أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ” مَن أرضى الناسَ بِسَخَطِ اللّهِ وكَلَهُ اللّهُ إلى النّاسِ ، ومَن أسخَطَ النّاس بِرِضاءِ اللّهِ كَفاهُ اللّهُ مَؤنَةَ النّاسِ ” (9).ـ
ـ 3 ـ التقوى
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أتّقِ اللّه حيثُما كنتَ وأتبِع السيئةَ الحسَنَة تَمحُها وخالِقِ الناسَ بِخُلُق حَسَن ”
(رواه الترمذي وقال حديث حسن)(10 و 11)
حث الله تعالى في القرأن الكريم على التقوى في أيات كثيرة: ” ياأيّها الّذين أمنوا إتقوا اللّه حقّ تُقاتِه ولا تَموتُنّ إلاّ وأنتُم مسلمون ” (12) ، ” ياأيّها النّاسُ اتّقوا ربّكُم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم ” (13) ، ” ياأيّها النبيّ إتّق اللّه ولاتُطِع الكافرين والمُنافقينَ إنّ اللّه كانَ عَليما حَكيما ” (14).ـ
وكلمة التقوى مشتقة من الوقاية ، فالتقوى هي إطاعة الله خشية عذابه ، وهي عمل بطاعة الله على نور من الله مخافة عقاب الله.
ويدعو الملائكةُ للمؤمنين كما يحكي لنا القرآن الكريم: ” وقِهِم السّيئات وَمَن تَقِ السّيئات فقد رَحِمتَهُ ” (15) ، وعلى المسلم أن يدعو الله على الدوام أن يقيه الوقوع في السيئات والآثام ، أليس هو الذي يدعو ربه في كل ركعة من ركعات صلاته: ” إهدِنا الصِراطَ المُستَقيم ” (16). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: ” اللّهُمّ إني أسألُكَ الهُدى والتُقى والعفاف والغنى ” (17).ـ
إن مكان التقوى هو القلب ، لكن الدليل على مايضمره القلب هو الأعمال الظاهرة على الجوارح ، فمن ادّعى التقوى وكانت أعماله تناقض قوله فقد كذب . ويختلف مقدار ما يفرض الله على المرء من تقوى بحسب إستطاعته ، قال الله تعالى: ” فاتّقوا اللّهَ ما استَطَعتُم ” (18). والسبيل إلى التقوى هو مراقبة النفس ومنعها عن إتباع أهوائها بما يناقض أوامر الله تعالى ولكي تنقاد إلى ما أمر به وعدم الغفلة سواء في حالة الإنقياد الى أمر الله أو إجتناب نواهيه ، قال تعالى: ” إنّ الّذينَ اتَّقوا إذا مَسَّهُم طائِف مِنَ الشيطانِ تَذَكَّروا فإذا هُم مُبصِرون ” (19).ـ
ـ 4 ـ محبة الله ورسوله
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
” ثلاث من كُنّ فيهِ وَجَد بهنّ حَلاوَة الأيمان:أن يكونَ اللّه ورَسولُه أحبّ إليه مما سِواهُما ، وأن يُحِبّ المَرءَ لا يُحبّه إلاّ للّه ، وأن يَكرَه أن يعودَ في الكُفرِ بَعدَ أن أنقَذَهُ اللّهُ منه كَما يَكرَهُ أن يُقذَفَ في النّار ”
(متفق عليه)
محبة العبد لربه نور يقذفه الله في قلوب من يحب من عباده الصالحين حتى أن العبد ليجد حلاوة ذلك فلا يعبأ بما يلاقي من أذى في سبيل الله. إسمع قوله جل شأنه: ” ياأيّها الذين آمنوا مَن يَرتَدّ منكُم عَن دينِهِ فَسوفَ يأتي اللّه بِقوم يُحِبُّهُم ويُحِبّونَهُ أذِلّة على المُؤمنينَ أعِزَة على الكافرين ، يُجاهدونَ في سَبيلِ اللّه ولا يَخافونَ لومة لائِم ، ذلك فَضلُ اللّه يُؤتيهِ مَن يشاء واللّه واسِع عليم ” (20). وهكذا فإن محبة العبد لربه مقترنة بمحبة الله تعالى لعبده. ومحبة العبد لربه دليل على معرفته به ، قال الحسن البصري رضي الله عنه: من عرف ربه أحبه ، ومن عرف الدنيا زهد فيها ، والمؤمن لا يلهو حتى يغفل ، فإذا تفكر حزن.
ولكن ما الدليل على صدق من يدعي محبة الله تعالى؟ إن جواب ذلك في كتاب الله: ” قُل إن كُنتُم تُحِبّون الله فاتّبِعوني يُحبِبكُم الله ويَغفر لَكُم ذنوبَكُم ، واللّه غَفور رَحيم ” (21) ، قال ذو النون المصري رضي الله عنه(22): من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه. ومن يصدق في محبته لله ولرسوله يرخص عنده كل غال في سبيل الله. إستمع قوله تعالى: ” قُل إن كانَ آباؤكُم وأبناؤكُم وإخوانُكُم وأزواجُكُم وعشيرَتُكُم وأموال اقتَرَفتُموها وَتِجارة تَخشونَ كسادَها ومَساكِنُ تَرضونَها أحَبّ إليكُم منَ اللّه ورسولِه وَجِهاد في سبيله فتَربّصوا حتى يأتي اللّه بأمرِه واللّهُ لا يَهدي القومَ الفاسِقينَ ” (23). وقد أحسن من قال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبــه لعمري إن ذا في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعتــه إن المحـب لمــــن يحب مطـيـع
أتى أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال متى الساعة؟ قال له صلى الله عليه وآله وسلم: ” ماأعددتَ لها؟ ” قال ما أعددت لها كثير عمل ولكني أحِبّاللّه ورَسولِهِ ، قال: ” أنتَ معَ مَن أحبَبتَ ” (24) ، ففرح الصحابة بتلك البشرى فرحا شديدا لأن هذا الحديث بشرى عظيمة لمن أحب الله ورسوله ، فإن حب الله ورسوله لا يدانيه في الثواب عمل آخر. وعلى المؤمن أن ينظر إلى محبة الكفار لآلهتهم وأوليائهم مما سوى الله فيكون أشد حبا لله مما يحبون ، قال تعالى: ” ومِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دونِ اللّهِ أندادا يُحِبّونَهُم كَحُبّ اللّه والّذين آمنوا أشَدّ حبا للّه ” (25).ـ
ـ 5 ـ التوبة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” لَلّهُ أشَدّ فَرَحا بِتوبَة عبدِهِ من أحَدِكُم سَقَطَ عَلى بَعيرِهِ ، وَقَد أضَلّهُ بأرض فلاة ” (متفق عليه)ـ
هكذا يحب الله توبة عبده ، لذا عليه أن يتوب بعد كل ذنب أومعصية ، وليس ذلك فحسب بل عليه أن يجدد التوبة مرة بعد أخرى ، ” إن اللّه يُحِبّ التوّابين ويُحِبُّ المُتَطَهّرين ” (26) ، فالتواب هو الذي يجدد التوبة مرة بعد أخرى وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ” إنّي لأستَغفِرُ اللّهَ في اليومِ والليلَة أكثَرَ من سَبعينَ مَرّة ” (27). وإذا كان هَذا حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإستغفار والتوبة وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكم علينا أن نستغفر الله؟ ومع ذلك تجد بين المسلمين من يغفل عن ذلك نسيانا أو إهمالا أو إستهانة .
وللتوبة شروط ، فإن كانت متعلقة بأمر هو لله فقط فشروطها ثلاثة هي الإقلاع عن الذنب والتصميم على عدم العودة فيه والندم على فعله.أما إذا كانت متعلقة بحق آدمي فلها شرط رابع هو أن يسترضي صاحبها . ولا تتم التوبة إذا فُقد أي شرط من شروطها.
إن حقوق الله تعالى أعظم من أن يقوم بها العباد ، وإن نعم الله أكثر من أن تحصى: ” وإن تَعُدّوا نعمةَ اللّهِ لا تُحصوها (28)ـ " ولكن على المؤمن أن يصبح تائبا ويمسي تائبا . فالتوبة والإستغفار دأب الصالحين فقد سبقهم إلى ذلك الأنبياء والمرسلون . فآدم وحواء عليهما السلام: ” قالا ربّنا ظَلمنا أنفسَنا وَإن لَم تَغفِر لنا وَتَرحمنا لَنَكونَنّ من الخاسرين ” (29) ، ويونس عليه السلام: ” فنادى في الظلُماتِ أن لا إلَه إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إني كُنتُ من الظالمين ” (30) ، فالإنسان معرّض في حياته إلى النسيان والوقوع في الأخطاء ، فكل إبن آدم خطّاء ، وخير الخطائين التوابون . وكلما كان إستدراك الخطأ أسرع ، كلما كان ذلك أفضل . فإذا أعقب الذنب إستغفارا سريعا ، كان ذلك أدعى لقبول التوبة .
إن الأرض لتشهد لأي عمل يُرتكب عليها فهي تشمئز من ذنوب العباد ، وتطرب فرحا بالأعمال الصالحة فتشهد له بذلك يوم القيامة ، فعلى المرء أن يحرص على أن لا يترك أرضا عمل فيها بمعصية الله إلاّ بعد أن يتبع ذلك بطاعة لله فيها ، ” إن الحَسَناتِ يُذهِبنَ السيِئات ” (31) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ” أتبِع السيئةَ الحَسَنةَ تَمحُها ” (32).ـ
وعلى المسلم أن يعلم إن من الذنوب ما تكون عاقبته للمرء خيرا من الطاعات ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” إنّ العبدَ ليُذنِب الذَنبَ فيدخلَ بهِ الجَنّة ” ، قيل يارسول الله ، كيف ذلك؟ قال: ” يكون نُصبَ عينيهِ ، تائِبا منه فارّا ، حتى يدخُلَ الجَنّةَ ” (33) ، فالمؤمن ليس ملَكا ولا نبيا معصوما من الخطايا لكنه يقظ يعمل جهده في أن لا يعصي ربه ، فإذا أذنب أو أخطأ تاب وأناب فيكون ممن يحبهم الله تعالى.
يحكى عن السري السقطي(34) رضي الله عنه أنه قال: منذ ثلاثين سنة أنا في الإستغفار من قولي الحمد لله مرة . قيل له وكيف ذلك؟ قال وقع ببغداد حريق ، فاستقبلني رجل فقال لي نجا حانوتك ، فقلت الحمد لله ، فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت حيث أردت لنفسي خيرا مما حصل للمسلمين.
ـ 6 ـ جهاد النفس
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: ركبت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما فقال لي:
” يا غلام إني مُعَلِّمك كلمات ، إحفَظ اللّه يحفَظك ، إحفظِ اللّه تَجِدهُ تِجاهَكَ ، وإذا سألتَ فَلتسألِ اللّه ، وإذا إستَعَنتَ فاستَعِن باللّه ، واعلَم أن الأمّةَ لو إجتمَعوا على أن ينفعوك لَم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبهُ اللّهُ لكَ ، ولو إجتَمَعوا على أن يَضّروك لم يضُّروك إلا بشيء قد كَتَبَهُ اللّهُ عَليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُحُف”
(رواه أحمد و الترمذي)
حفظ العبد ربه هو إلتزامُ أوامره وإجتناب نواهيه ، وحفظ الله تعالى عبده هدايته ومضاعفة ثوابه وتجنيبه الآثام وتيسير أموره . قال تعالى: ” والّذينَ جاهدوا فينا لَنَهدينّهُم سُبُلَنا ” (35) وقال أيضا: ” ومَن يَتَّق اللّهَ يَجعَل لَهُ من أمرهِ يُسرا ” (36). وكلما إزداد المؤمن تقوى ، كلما إزداد عون الله له وتسديدهُ لخطاهُ ، فإذا أحَسَن وجد الثواب سريعا كإجابة الدعاء أو تيسير المزيد من الصالحات أو وقايته من السيئات ، قال تعالى:” فأما من أعطى وإتّقى وصَدّقَ بالحُسنى فسنُيَسِّرَهُ لليُسرى ”(37).ـ
أما إذا غفل المؤمن التقي فأخطأ ، فإن تسديد الله له يكون بتذكره لخطئه بشكل ما ، قال الله تعالى: ” إن الّذين إتّقوا إذا مَسَّهُم طائف من الشيطان تذَكّروا فإذا هُم مبصرون ” (38).ـ
فتمام اليقين أن لايرى المؤمن نافعا إلا الله ولا ضارا غيره ، ولا مجيبا يستحق أن يسأل إلاّ هو ، ومنه الهداية وحده لا شريك له في كل ذلك ، فإذا استسلم العبد لله كان البلاء عنده نعمة لرفع الدرجات وكسب المزيد من الحسنات وتكفير السيئات ، وصار الرخاء عنده إختبارا يخشى أن لا يستطيع أن يؤدي شكره. فالمؤمن قوي اليقين بالله يرى أن الله تعالى فعّال لما يريد وأنه وحده الذي يستحق السؤال ويقدر على الإجابة . وعليه أن يسدد ويقارب ما إستطاع ويعمل الخير ولا يقول إن كان الله كتبني شقيا فأنا شقي وان كان كتبني سعيدا فأنا سعيد ، فعليه أن يعلم أن التوفيق لعمل الخير هو بشرى من الله أنه من السعداء فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ” إعمَلوا واتَّكِلوا ، وكُل مُيَسَّر لِما خُلِقَ لَهُ ، فَمَن خُلِقَ لِلنَعيمِ فييسرَهُ لِلنَعيمِ ، وَمَن خُلِقَ لِلجَحيم فييسرَهُ لِلجَحيمِ ” (39).ـ
ـ 7 ـ الرضا
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” إن أعظم الجزاء من عِظَم البلاء ، وأن اللّه تَعالى إذا أحَبّ قوما إبتلاهُم ، فَمَن رَضي فَلَهُ الرضا وَمَن سَخِطَ فَلَهُ السُخط ”
(رواه الترمذي وقال حديث حسن)
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وإجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس ، وأدّ ما إفترض الله عليك تكن من أعبد الناس ، ولا تشكُ من هو أرحم بك (الله عزوجل) إلى من لا يرحمك (الناس)ـ ، وإستعن بالله تكن من أهل خاصته.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن الخير كله في الرضا ، فإن إستطعت أن ترضى وإلاّ فاصبر. وقيل للامام الحسين رضي الله عنه إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إليّ من الغنى ، والسقم أحب إليّ من الصحة ، فقال: رحم الله تعالى أبا ذر ، أما أنا فأقول من إتّكل على حسن إختيار الله تعالى له لم يتمن غير ماإختاره الله عزوجل له. وقال أبو علي الدقاق(.4): وليس الرضا أن لاتحس بالبلاء ، إنما الرضا أن لا تعترض على الحكم والقضاء. ويكون العبد راضيا حق الرضا إذا سرّته المصيبة كما سرّته النعمة.
كان صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: ” أللّهُمّ إنّي أسألُكَ الرضا بعد القضاء ” (41) ، وواضح أن الواجب على العبد أن يرضى بالقضاء الذي أمر الرضاء به ، إذ ليس كل ما هو بقضائه يجوز للعبد أو يجب عليه الرضا به ، كالمعاصي ومختلف أنواع محن المسلمين... ويعني ذلك أنه عند وقوع المعصية والمحنة يكون الواجب هو العمل على تغييرها لا الخنوع والرضا بها . ويمكن للعبد أن يستشعر رضاء الله عنه إذا كان هو راضيا عن ربه في حالات الضراء والسراء على السواء ، قال تعالى ” رضِيَ اللّهُ عَنهُم ورَضوا عَنهُ ” (42).ـ
إن عدم الرضا بمصائب الدنيا قد يصحبه الجزع. ومن جزع من مصائب الدنيا تحولت مصيبته في دينه ، لأن الجزع نفسه هو مصيبة في الدين ، فالمؤمن يرضى عن ربه وعن ما يقضي به ربه ، فالخير ما يختاره الله لعبده المؤمن لا ما يحبه هو لنفسه.

ـ 8 ـ الصبر
عن صهيب بن سنان رضي الله عنه(43) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” عَجَبا لأمر المُؤمن إنّ أمرَهُ كلّهُ لهُ خير ، وليسَ ذلك لأحَد إلاّ للمُؤمن ، إن أصابتهُ سَرّاءُ شَكَرَ فكان خيرا لهُ وإن أصابَتهُ ضّراء صَبَر فكانَ خيرا لهُ ”
(رواه مسلم)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :ما أصابتني مصيبة إلاّ رأيت أن لله عليّ فيها ثلاث نعم: أن لم تكن المصيبة في ديني ، ولم يكن ما هو أكبر منها فدفع الله بها ما هو أعظم منها ، والثالثة ماجعل الله فيها من الكفارة لما كنا نتوقاه من سيئات أعمالنا.
الصبر هو أن يتصرف المرء مع البلاء مثل تصرفه عند العافية . فالله تعالى ما أخذ شيئا أعطاه للعبد إلا ليصبر فيحبه على ذلك ، ” واللّهُ يحب الصابرين ” (44) ، وإذا أحب الله عبدا إختار له ما هو خير له وما تقتضيه مصلحته ، فعلى العبد أن يرضى بذلك ، وكذلك إذا ما أعطى الله العبد فإن ذلك العطاء هو لأجل الشكر فيجازيه الله تعالى على ذلك الشكر حيث وعد الله: ” وسَنَجزي الشاكِرين ” (45). عن الخباب بن الأرت رضي الله عنه(46) قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال: ” قد كانَ من قبلَكُم يُؤخذُ الرجل فيُحفَرَ لَهُ في ألأرضِ فيُجعَلُ فيها ، ثُمّ يؤتى بالمنشارِ فيوضَعَ على رأسِهِ فيُجعلُ نصفين ويُمشَطُ بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِهِ وعَظمِهِ ، ما يصّدُهُ ذلك عن دينهِ ، واللّه ليُتِمّنّ اللّهُ هذا الأمر حتّى يسيرَ الراكِبُ من صَنعاءَ إلى حَضرَموت لا يخافُ إلاّ اللّه والذئبَ على غَنَمِه ، ولكنّكم تَستَعجلونَ ” (47). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” ما يُصيبُ المُسلم من وَصَب (الوصب هو المرض) ولا هَمّ ولا حَزَن ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكَةُ يُشاكَها إلاّ كَفّرَ اللّهُ بها من خَطاياهُ ” (48).ـ
والصبر التام هو الثبات مع الله وتلقي بلاءَهُ بالرحب والدعة . قال تعالى: ” ياأيُّها الّذينَ آمنوا إصبِروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّهَ لعلَّكُم تفلحونَ ” (49) فاصبروا بنفوسكم على طاعة الله وصابروا بقلوبكم على البلوى ورابطوا بأسراركم على الشوق إلى الله. فالمؤمن يصبر ويوصي غيره من المؤمنين بالصبر لئلا يكون من الخاسرين: ” والعَصرِ إنّ الإنسانَ لَفي خُسر إلاّ الّذينَ آمَنوا وعَمِلوا الصالِحاتِ وتواصوا بالحَقّ وتواصوا بالصَبرِ ” (50) ، وكان دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حالة السراء: ” الحَمدُ لِلّهِ الّذي بِنِعمَتِه تَتُمّ الصالِحاتُ ” وفي حالة الضراء: ” الحَمدُ لِلّهِ على كُلّ حال ” (51).ـ
ـ 9 ـ التوكل
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
” لو توَكّلتُم على الله حَقّ توَكُّلِهِ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطيرَ تَغدو خِماصا وتَروحُ بِطانا ”
(الترمذي وقال حديث حسن وصححه الحاكم)(52)
معناه تذهب في أول النهار ضامرة البطون من الجوع وتعود آخره ممتلئة البطون . والتشبيه بذهاب الطير بحثا عن قوتها يشير بوضوح إلى أن التوكل على الله حق التوكل هو البحث عن الرزق لا القعود إنتظار أن يأتِ الرزق إلى الإنسان كما يظن ذلك بعض الجهال . وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الأعرابي الذي ترك ناقته بغير عقال ظنا منه أن ذلك هو التوكل على الله فقال له: ” إعقِل وَتوَكّل ” (53). التوكل هو الثقة بما في يد الله واليأس مما في أيدي الناس. قال عبدالله بن المبارك(54): من أخذ فلسا من حرام فليس بمتوكل . وسئل أحد الصالحين(55) عن التوكل فقال: إن كان لك عشرة آلآف درهم وعليك دانق دين لا تأمن أن تموت ويبقى دينك في عنقك ، ولو كان عليك عشرة آلآف درهم دين من غير أن تجد له وفاء لا تيأس من الله تعالى أن يقضيها عنك . فالتوكل على الله يكون بفقدان الثقة بالمال ، فالغني المتوكل يتوكل على الله لا على ماله ، والفقير المعدم يثق بالله ويرجو عنايته ويتوكل عليه ولا يفقد الثقة به بسبب عدم توفر المال لديه. قال اللّه تعالى: ” وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموتُ ” (56) وقال أيضا: ” وعلى اللّه فليتوكّل المُؤمنون ” (57) وقال: ” ومَن يتوكّل على اللّه فَهُوَ حَسبُهُ ” (58).ـ
وروي أن موسى عليه السلام قال يارب ممن الداء والدواء ؟ فقال تعالى مني ، قال موسى فما يصنع الأطباء ، قال: يأكلون أرزاقهم ويطيبون نفوس عبادي حتى يأتي شفائي أو قضائي. فالمؤمن متوكل على الله آخذ بالأسباب لأن رب الأسباب قد أمره بالأخذ بها لكن قلبه معلق بالله تعالى لا بالأسباب.
ـ 10 ـ القناعة
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
” قد أفلح من أسلَمَ ورُزقَ كفافا وقَنّعَهُ اللّهُ بما آتاهُ ”
(رواه مسلم)
القناعة متعلقة بالرضا ، فإذا رضي العبد عن ربه قنع بما قسم الله له وقلبه مطمئن مرتاح لذلك . والقناعة تناقض التكالب على الدنيا سعيا وراء متاعها الزائل ، سواء كان حلالا أم حراما . فالمؤمن يقنع بالحلال ولو كان قليلا ، ويمقت الحرام ولو كان كثيرا . وقناعته لا تقعده عن الكسب ولا عن أخذ ما هو صالح من غيره ، لكنها تناقض الحسد لمن آتاه الله رزقا وفيرا ، وتناقض تكليف النفس فوق طاقتها طمعا في المزيد من متاع الدنيا ، وتناقض الكسب مع التفريط بفرائض الله وعبادته. والقناعة يحتاجها الغني والفقير وكذلك يحتاجها من كان رزقه كفافا بين الغنى والفقر ، لأن القناعة في القلب ولا علاقة لها بما في اليد من مال.
ومن قنع بما آتاه الله وجد طمأنينة القلب والسعادة ، قال الله تعالى: ” مَن عَمِلَ صالِحا مِن ذَكَر أو أنثى وهو مُؤمن فلنحيينهُ حياة طيبة ” (59). قال كثير من أهل التفسير: الحياة الطيبة في الدنيا هي القناعة . وقيل أيضا في قوله تعالى: ” إن الأبرار لفي نعيم ” (60) هو القناعة ، وفي قوله تعالى ” وإن الفجار لفي جحيم ” (61) هو الحرص في الدنيا.
وقد ذم الله تعالى التكاثر في متاع الدنيا وعدّه من الملهيات: ” الهاكُمُ التَكاثُرُ حَتّى زُرتُم المقابِرَ ” (62). وهكذا يفلح من قنع بما آتاه الله تعالى وكان رزقه كفافا على قدر حاجته ، وسطا بين الغنى والفقر ، وهو أفضل من كليهما ، لأن خير الأمور أوسطها ، فرب غني ألهاه غناه عن معرفة ربه ورب فقير شغله فقره وإكتساب قوته عن عبادة ربه.
ـ 11 ـ الزهد
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال:
” إزهد في الدُنيا يحبّكَ اللّهُ وإزهد فيما عند الناسِ يُحبّك الناس ”
(إبن ماجه وغيره بأسانيد حسنة)(63)
ضرب الله تعالى أمثلة عديدة للدنيا ” كماء أنزلناهُ من السماء فاختَلط به نباتُ الأرضِ ” فأصبَحَ هَشيما تَذروهُ الرياحُ ” (64)ـ ووصفها بأنها لعب ولهو وأنها متاع الغرور(65) وحذر منها ” فلا تغُرّنّكم الحياةُ الدُنيا ” (66).ـ
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: ” كن في الدُنيا كأنكَ غريب أو عابرَ سبيل ” ، وكان إبن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك (67 ـ) قيل في شرح ذلك أن لا يتعلق القلب بالدنيا ، إلاّ كما يتعلق الغريب في غير وطنه حيث لا ينبغي له أن يشتغل بما لا ضرورة له. والدار الآخرة هي وطن المؤمن وليست الدنيا.
قال سفيان الثوري(68): الزهد في الدنيا ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء ولكنه قصر الأمل.
يحكى أن شيخا معروفا بالزهد كان يسكن في بغداد ، أتاه أحد تلامذته مستأذنا إياه بالسفر في حاجة إلى الشام ، فقال له إن هناك رجلا صالحا فيها ، فإذهب إليه وأقرئه مني السلام وإطلب منه أن يدعو لي ، فتخيل التلميذ في ذهنه حال ذلك الرجل أن يكون أزهد من شيخه ، فلما ذهب التلميذ إلى الشام ، سأل عن الرجل فأرشد إلى قصر مهيب فعجب أن يكون الرجل المقصود هو صاحب هذا القصر ، ولما أستأذن على الرجل وجده محاطا بالأبهة والخدم ، لكنه وجده متواضعا كريما . فلما أبلغه تحيات الشيخ البغدادي ، سأله ألم يطلب شيئا قال بلى طلب أن تدعو له ، فرفع الرجل يديه إلى السماء وقال: أللهم أخرج حب الدنيا من قلبه. فازداد التلميذ عجبا على عجبه ، ثم ودّعه عائدا إلى بغداد. ولما زار شيخه سأله عن سفره وفيما إذا كان قد لقي الرجل الصالح ، قال نعم ولكنه إستحيى أن يخبره بمضمون دعوته ، فسأله الشيخ وهل طلبت منه أن يدعو لي قال نعم قال فما كانت دعوته قال قال أللهم أخرج حب الدنيا من قلبه ، قال صدق والله يا ولدي ، لايغرنك مظهر الزهد علي ، أترى ما حولي من المتاع ، فنظر التلميذ فلم يجد سوى حصير وإبريق ماء ورأى متاعا باليا لا يكاد يؤبه له ، قال فإن قلبي معلق بهذا المتاع حتى إني لأستيقظ في الليل ألتمس الإبريق خشية أن يكون قد سرق.
قال الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام وهو زهد العوام ، وترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص ، وترك ما يشغل العبد عن الله وهو زهد العارفين . وقال الفضيل بن عياض: جعل الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في بيت واحد وجعل مفتاحه الزهد. وقال الحارث المحاسبي(69): خيار هذه الأمة الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم ، ولذلك كان الإمام علي رضي الله عنه يقول: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا . أما الزهد فيما عند الناس فهوعدم الطمع بما في أيديهم ، والقناعة بما قسم الله تعالى من رزق وعدم التكالب على الدنيا بجمع الحلال والحرام والشبهة ، بل تحرّي ما هو حلال خالص وإن كان قليلا وقليل من يفعل ذلك اليوم . وعلى المؤمن أن لا ينظر إلى من هو فوقه في الأمور الدنيوية بل ينظر إلى من هو دونه حتى يزداد شكرا لله تعالى ، ولا ينظر في أمور الآخرة إلاّ إلى من هو فوقه كي يُقتدى بهم فيزداد تقوى(70).ـ
ـ 12 ـ الخوف
عن أنس رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: ” عُرِضَت عَليّ الجَنَّةُ والنّار فَلَم أرَ كاليومِ ولو تَعلَمونَ ماأعلَمُ لضَحِكتُم قَليلا ولَبَكيتُم كَثيرا ” ، فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أشد منه ، غطوا رؤسهم ولهم خنين
(متفق عليه)
الخنين: هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف.
المؤمن يخاف أن يؤاخذه الله تعالى بأخطائه وتقصيراته ، ولهذا فهو يخاف سوء الخاتمة فهو يدعوه: ” ربّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعد إذ هَديتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَة إنّكَ أنتَ الوَهّابُ ” (71). فخشية الله إذا دخلت قلب المؤمن كانت له رقيبا تنبهه كلما إشتط أو غفل . وقد دعى الله تعالى عباده إلى خشيته فقال: ” وخافوني إن كنتُم مؤمنين ” (72) وقال: ” وإيّايَ فارهبونِ ” (73)ـ ، وكل تلك الخشية مع حسن العمل ، قالت عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله ” ألّذينَ يُؤتونَ ما أتوا وقلوبُهُم وجِلَة ” ـ(74) أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر قال: ” لا ولكنّ الرَجُلَ يصومُ ويُصلّي ويتَصَدّق ويَخافُ أن لا يُقبَلَ منهُ ” (75)ـ
قال الإمام علي رضي الله عنه: لا تخف إلاّ ذنبك ، ولاترجُ إلاّ ربّك ، ولا يستحي من يسأل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم.
فالوجل من الله والخوف منه دليل معرفة العبد بالله وليس دليل سوء السريرة ، خاصة وأن العبد لا يدري ماذا قد كتب الله عليه أن يرى في مستقبل حياته. فكم من امرىء قد عبد الله سنين طوال ثم غوى فصار إلى النار كما يوضح ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” إن الرجلَ ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل


الاستقامة في مائة حديث نبوي

ماسينيسا
طالب نشيط
ماسينيسا
طالب نشيط

السٌّمعَة : 30
ذكر
نقاط : 1460
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Empty
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Clock13 2012-02-11, 6:57 pm

[ thanks ]

مرسي

[على] الموضوع تستاهل تقييم و تشجيع [على]
المجهودات الرائعة
ننتظر

منكـ
المزيد |
دمت مبدعا و بـــ الله
ـــاركـ فيك
تح
ــياتي وشكري ليك
دمت


الاستقامة في مائة حديث نبوي

استاذ المنتدى
طالب نشيط
استاذ المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 34
ذكر
نقاط : 1989
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Empty
http://omaarab.7olm.org/
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Clock13 2012-02-19, 7:08 pm

مشــكور على الموضوع

و علـــ إفادتك

لنا و للجمـــيعـ ـــى

ننتظر المزيد من

إبداعاتك و نشاطك

وإفادتك


الاستقامة في مائة حديث نبوي

مدرس المنتدى
طالب نشيط
مدرس المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 35
ذكر
نقاط : 1936
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Empty
الاستقامة  في مائة حديث نبوي Clock13 2012-03-28, 9:16 pm

بارك الله فيك فيك يا بطل

نتظر مزيد من الإبداعات


 مواضيع مماثلة

-
» الاستقامة في مائة حديث نبوي 5
» الاستقامة في مائة حديث نبوي 4
» الاستقامة في مائة حديث نبوي 3
» الاستقامة في مائة حديث نبوي 2
» مائة سؤال وإجابة واحدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى :: بــــحوث مدرسية-

Urban Leveling manga | Sweet Enemy manga | Black Queen manga | D-List Actress On The Rise manga | Emp’s Contracted Ex manga | Marry to Find Love manga | Mind-Reading Princess manga | Help! My Pokeman Boyfriend Is real | Exclusive Possession of Your Heart manga | Her Majesty Is Busy manga | raw manga | The Strongest God King | read raw manga | Versatile Mage manga | Release That Witch | Springtime for Blossom | Tales of Demons and Gods | تفسير حلم الثعبان | تفسير حلم قص الشعر | تفسير حلم الحمل | initial d apk | h tweaker apk | apk hello neighbor | Apk D-Touch 4.1 | apk jio 4g voice