ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Ezlb9t10
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Ezlb9t10





 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديدنا :
آخر المواضيع
date2014-05-25, 2:29 pm
member
date2014-05-25, 12:55 pm
member
date2014-03-19, 10:44 pm
member
date2014-03-03, 10:03 pm
member
date2013-11-09, 10:39 pm
member
date2013-10-04, 4:33 pm
member
date2013-09-30, 6:49 am
member
date2013-09-21, 9:34 pm
member
date2013-09-21, 9:29 pm
member
date2013-09-21, 9:28 pm
member

ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc

Admin
مؤسس المنتدى
Admin

السٌّمعَة : 0
ذكر
نقاط : 22423
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Empty
http://omaarab.7olm.org
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Clock13 2012-02-10, 6:22 pm

تــــــــــــابع
مقدمـة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، بعثه الله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، هاديًا إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، صلى الله عليه وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعـد:
فإن الدارس للتاريخ الإسلامي، والمطلع على أسراره، يدرك بوضوح العــداوة المستمــرة لهـذا الـدين، يقـول تعـالــى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )(البقرة:217). فالصراع معهم مستمر، وقديم قدم هذا الدين.
فمنذ أن أشرقت أنوار الحق في ربوع الجزيرة العربية، انطلق هذا المسلسل في حلقات مازالت تلاحقنا إلى اليوم، ورغم سماحة الإسلام وحسن معاملته لأهل الذمة، إلا أن هولاء ما فتئوا يتربصون به الدوائر.
فقد غدر اليهود بالمسلمين في المدينة المنورة (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار )(الحشر:21).
وازداد هذا الصراع ضراوةً حين بدأ الإسلام يتجاوز حدود الجزيرة العربية، فحاول الفرس والروم ضربه وإيقاف مدّه، فتحطمت قوتهم على صخرة الحق المبين، ولم يهدأ أعداء الإسلام من الكيد له، وكلّما أرادوا به شرًا قيض الله لهم من عباده الصالحين من يشرّد بهم، لتبقى كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.. وما الحـــروب الصليبيـة المتعاقبــة، إلا لون من ذلك الصراع المتواصل بين الحق والباطل.
وفي كل مرة يبعث الله من يجدّد أمر هذا الدين، الذي قضى بخلوده. وما حدث للشعب الجزائري -الذي ابتلي بأعتى استعمار- دليل على ذلك.
والمتتبع لتاريخ الجزائر القريب، تظهر أمامه بجلاء مكانة الدين في نفوس أهلها، وقد عَضوا عليه بالنواجذ، كما تظهر كذلك في مخططات الاستعمار الفرنسي، الذي عقد العزم على إنهاء مهمة الإسلام في تلك الربوع.
وقد أدى إصرار الصليبيين الفرنسيين على إزالة الإسلام من أمامهم، إلى إصرار المسلمين الجزائريين على دينهم وعقيدتهم.. وتظهر روح الحقد الدفين على الإسلام، في الكلمات التي قالها سكرتيـر الجنرال بيجو Bugeaud حاكم الجزائر: (إن أيام الإسلام قد دنت، وفي خلال عشرين عامًا لن يكون للجزائر إله غير المسيح، ونحن إذا أمكننا أن نشك في أن هذه الأرض تملكها فرنسا، فلا يمكننا أن نشك بأي حال من الأحوال أنها قد ضاعت من الإسلام إلى الأبد).
وقد انتهجت فرنسا تجاه الجزائر سياسة لو تحققت لربما كان تاريخ الجزائر قد كُتب على نحو آخر.
فقد تدهورت الحالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والدينية للمجتمع الجزائري، فحلّت اللغة الفرنسية محل اللغة العربية، وحوصر الدين في أضيق نطاق، وما بقي منه عَبَثَ به أصحابُ الطرق الصوفية المنحرفة، الذين خدّروا الشعب بنشر الخرافات والبدع بما لهم من سلطان على الأرواح والأبدان.
ولكن حكمة الله اقتضت أن يقيّض لهذا الشعب من يجدّد له أمر دينه، ويعود به إلى المنابع الأصيلة لهذا الدين الحنيف، فظهر الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، رائدًا للحركة الإسلامية الحديثة في الجزائر، فكان نعمةً منَّ ا$ُ بها على هذا الشعب المسلم في عسره وشدائده، وشعلة من نور أضاءت طريقه خلال حوالك الظلمات. فانطلق رحمه الله، معتمدًا على الله، مستنيرًا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم، يعلّم جيلاً كادت تغمره ظلمات الجاهلية، ويربي أمة أراد الاستعمار أن يُنصرّها، فأبت إلا أن تكون إسلامية، ويكافح أمية ألقت على الشعب أوحالاً من التبعية، ويعالج أمراضًا اجتماعية يغذيها استعمار طال ليله.
من هنا ندرك ثقل الأمانة التي تصدّى ابن باديس لحملها، والغاية التي ضحى من أجلها، فكان رحمه الله قدوة لأهل العلم، ونارًا على المستعمر وأتباعه، وخزيًا لأهل البدع والأهواء.
ويعتبر الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس عَلَمًا من أعلام الإسلام وأحد كبار المصلحين في القرن العشرين، وآثاره مازالت زادًا علميًا وثقافة لطلاب العلم والمعرفة.
وإن إبراز جهوده في المحافظة على الشخصية العربية الإسلامية للشعب الجزائري، ومنهجه في تربية تلك الأجيال التي صارعت المستعمر، مسؤولية كبرى تقع على عاتق الباحثين من أجل التعريف بهذا العالِم الجليل.
وهذه الدراسة تهدف إلى إبراز الجهود، واستخلاص الآراء التربوية للإمام ابن باديس، من خلال ما جُمِعَ من آثاره، كما تهدف أيضًا إلى إبراز محاسن آرائنا التربوية، وإظهار أصالتنا الإسلامية في هذا المجال.
ولا شك أن للإمام عبد الحميد بن باديس جهودًا فكرية في مجالات شتى، لكننا نقتصر في بحثنا هذا على جهوده في مجال التربية والتعليم، راجين من المولى العلي القدير أن يوفق ويعين.
هذا وقد حاولتُ طيلة البحث التزام الدقة فيما أوردته، والموضوعية فيما ذهبتُ إليه، مدعمًا ذلك كله بالأمثلة والشواهد من آثار ابن باديس.
وقد اعتمدت في استخراج الآراء التربوية على مصادر رئيسة، منها:
1- آثار الإمام عبد الحميد بن باديس (الجزأين الأول والثاني).
2- مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، وأرمز إليه بـ: (مجالس التذكير ـ التفسير).
3- مجالس التذكير من حديث البشير النذير، وأرمز إليه بـ (مجالس التذكير ـ الحديث).
وذلك لأنها تمثل المنهج الحقيقي لابن باديس، ولاحتوائها على أهم عناصر البحث

الباب الأول
العوامل والقوى المؤثرة في فكر ابن باديس
الفصل الأول
المجتمع الجزائري في عصر ابن باديس
العرب والبربر في الجزائر
إن البربر شعوب متعددة القبائل، تنتهي في رأي النسابة إلى جذرين أصليين: (البرانس) و(البتر)، وينتهي البرانس والبتر معًا إلى (مازيغ ابن كنعان، من نسل حام بن نوح، عليه السلام، ويذكر ابن خلدون أنهم -البربر- من بني برّ بن قيس بن عيلان، وهي قبيلة مضرية، فهم إذن ساميون عرب، وكان دينهم دين المجوسية.
ومع وصول قوافل العرب الفاتحين في القرن الأول الهجري، بدأ المغاربة يدخلون في دين الله أفواجًا، وكان لهؤلاء الفاتحين الأوائل، أمثال عقبة بن نافع وأبي المهاجر دينار، دور عظيم في نشر الإسلام في تلك الربوع، (كما ترك موسى بن نصير سبعة عشر فقيهًا بالمغرب، وأرســل عمـر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعثة إلى المغرب تضم عشرة من فقهاء التابعين).
وقد ثبت الأمازيغ على عقيدة الإسلام بعد فترة قصيرة من الزمن، فما كاد ينتهي القرن الأول إلا وهم ثابتون على عقيدة الإسلام.
وما الجهــود التي قدمهــا (البربــر) في فتـح الأندلس بقيـــادة طــارق ابن زياد البربري، إلا دليل على وجود مد إسلامي قوي بينهم. وامتزج العرب والبربر مع مرّ القرون، وتكوّن منهم جنس، أُمُّهُ الجزائر وأَبُوهُ الإسلام، كما يحلو للإمام ابن باديس أن يصفهم، إذ يقول: (إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ، وحّد بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنًا، ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدة والرخاء، حتى كوّنت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرًا مسلمًا جزائريًا، أمّه الجزائر وأبوه الإسلام).
وقد أقبل البربر على دين الله، وتشرّبوا وأُشربوا حُبه، وتثقفوا بثقافته، وتحصنوا بعقيدته، فأصبحوا ركنًا من أركانه يذودون عنه باللسان والقلم والسيف.
واليوم لا يمكن التمييز بين هاتين الطائفتين أبدًا، فلا طرائق المعيشة ولا اللغة يمكن أن يستخلص منها أساس لمثل هذا التمييز، ناهيك عن عقيدة التوحيد التي ألّفت بين قلوبهم.
ولقد اتضحت آيات اتحادهم جلية، وبرهن الشعب الجزائري في أحلك الأوقات أنه شعب واحد، لا يرضى بغير الإسلام دينًا، فهبّ منذ وطئت أقدام المستعمر بلاده يقاوم ويحارب جحافل الغزاة.
وعلى الرغم من أهمية الإحاطة بالحالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الجزائري، التي مهدت لظهور الحركة الإصلاحية، إلا أننا سوف نركّز على الحالة الثقافية والفكرية، لأنها الصورة الأكثر دقة وتعبيرًا عن الواقع بكل أبعاده تقريبًا.
الحالة الثقافية والفكرية
العوامل الثقافية والدينية التي أثرت في فكر ابن باديس
أولاً: الحالة الثقافية والفكرية في الجزائر قبل الاحتلال:
إن انتشار المدارس والمعاهد والزوايا في مختلف نواحي الجزائر خلال تلك الفترة، دليل على أن الحياة الفكرية والثقافية كانت مزدهرة بها.
وقد اشتهرت مدن قسنطينة والجزائر وتلمسان وبلاد ميزاب في الجنوب بكثرة المراكز التعليمية، وكان يقوم عليها أساتذة وعلماء مشهود لهم بعلو المكانة ورسوخ القدم في العلم والمعرفة، مثل الشيخ (الثميني) في الجنوب، والشيخ (الداوودي) في تلسمان، والشيخ (ابن الحفّاف) بالعاصمة، والشيخ (ابن الطبّال) بقسنطينة، والشيخ (محمد القشطولي) في بلاد القبائل، وغيرهم كثير ممن تفرّغوا للتدريس ونشر العلم.
وكان من نتائج هذا الانتشار الواسع لمراكز التربية والتعليم، أن أصبحت نسبة المتعلمين في الجزائر تفوق نسبة المتعلمين في فرنسا، (فقد كتب الجنرال فالز سنة 1834م بأن كل العرب (الجزائريين) تقريبًا يعرفون القراءة والكتابة، حيث إن هناك مدرستين في كل قرية... أما الأستاذ ديميري، الذي درس طويلاً الحياة الجزائرية في القرن التاسع عشر، فقد أشار إلى أنه قد كان في قسنطينة وحدها قبل الاحتلال خمسة وثلاثون مسجدًا تستعمل كمراكز للتعليم، كما أن هناك سبع مدارس ابتدائية وثانوية يحضرها بين ستمائة وتسعمائة طالب، ويدرّس فيها أساتذة محترمون لهم أجور عالية).
وقد أحصيت المدارس في الجزائر سنة 1830م، بأكثر من ألفي مدرسة ما بين ابتدائية وثانوية وعالية.
وكتب الرحالة الألماني (فيلهلم شيمبرا) حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831م، يقول: (لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب).. وخير المثال ما شهد به الأعداء.
وقد برز في هذه الفترة علماء في كثير من العلوم النقلية والعقلية، زخرت بمؤلفاتهم المكتبات العامة والخاصة في الجزائر، غير أن يد الاستعمار الغاشم عبثت بها سلبًا وحرقًا، في همجية لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً.
يقول أحد الغربيين واصفًا ذلك: (إن الفرنسيين عندما فتحوا مدينة قسنطينة في شمالي أفريقيا، أحرقوا كل الكتب والمخطوطات التي وقعت في أيديهم، كأنهم من صميم الهمج).
يظهر مما ذكرنا أنه كان للجزائر مكانها المرموق بين أقطار المغرب في خدمة علوم العربية والإسلام، كما قدّمت للميدان أعلامًا من رجالها، حملوا الأمانة، وكانت تُشدُّ إليهم الرحال في طلب العلم.
ثانيًا: الحالة الثقافية والفكرية والدينية أثناء الاحتلال:
يمكن تقسيم الفترة الممتدة من دخول الاستعمار إلى ظهور دعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى مرحلتين:
* المرحلة الأولى (1830-1900م):
لم تقتصر اعتداءات الاحتلال الفرنسي للجزائر على الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية فحسب، بل عمد إلى تدمير معالم الثقافة والفكر فيها، وقد ظهر حقده الصليبي في إصراره على تحطيم مقومات الأمة، وفي مقدمتها الدين الإسلامي واللغة العربية، معتمدًا في ذلك على ما يلي:
1 - مصادرة الأوقاف الإسلامية:
كان التعليم في الجزائر يعتمد اعتمادًا كبيرًا على مردود الأوقاف الإسلامية في تأدية رسالته، وكانت هذه الأملاك قد وقفها أصحابها للخدمات الخيرية، وخاصة المشاريع التربوية كالمدارس والمساجد والزوايا.
وكان الاستعمار يدرك بأن التعليم ليس أداة تجديد خُلقي فحسب، بل هو أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ وسيطرة، وأنه لا بقاء له إلا بالسيطرة علىه، فوضع يده على الأوقاف، قاطعًا بذلك شرايين الحياة الثقافية.
جاء في تقرير اللجنة الاستطلاعية التي بعث بها ملك فرنسا إلى الجزائر يوم 7/7/1833م ما يلي: (ضممنا إلى أملاك الدولة سائر العقارات التي كانت من أملاك الأوقاف، واستولينا على أملاك طبقة من السكان، كنا تعهدنا برعايتها وحمايتها... لقد انتهكنا حرمات المعاهد الدينيــة ونبشنــا القبــور، واقتحمنــا المنـازل التي لهـا حُرْمَتهـا عنـد المسلمين...).
2- التضييق على التعليم العربي :
أدرك المستعمر منذ وطئت أقدامه أرض الجزائر، خطورة الرسالة التي تؤديها المساجد والكتاتيب والزوايا، في المحافظة على شخصية الأمة.
فلم تكن هذه المراكز قاصرة على أداء الشعائر التعبدية فحسب، بل كانت أيضًا محاضر للتربية والتعليم وإعداد الرجال الصالحين المصلحين، لذلك صبّت فرنسا غضبها عليها بشدة، فعمدت إلى إخماد جذوة العلوم والمعارف تحت أنقاض المساجد والكتاتيب والزوايا، التي دُمّرت فلم تبق منها سوى جمرات ضئيلة في بعض الكتاتيب، دفعتها العقيدة الدينية، فحافظت على لغة القرآن ومبادئ الدين الحنيف في تعليم بسيط وأساليب بدائية.
فقد حطم الفرنسيون في 18/12/1832م جامع كتشاوه، وحوّلوه بعد تشويه شكله وتغيير وضعيته إلى كاتدرائية، أُطلق عليها اسم القديس فيليب Cathedrale Saint Philipe ، والشيء نفسه وقع لمسجد حسن باي بقسنطينة غداة سقوطها بأيديهم(2) سنة 1837م.. هكذا اختفت كثير من الكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم الإسلامي، التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال الفرنسي.
كما طالت يد الحقد الصليبي المكتبات العامة والخاصة، حيث أحــرق جنــود الجنــرال دوق دومـال Dauk Daumale مكتبــة الأميــر عبد القادر الجزائري بمدينة تاقدامت في ربيع الثاني 1259هـ، 10 مايو 1843م، وكان فيها من نوادر المخطوطات ونفائس المؤلفات ما لا يقدر بثمن، ونفس المصير واجهته معظم المكتبات الأخرى.
إن هذه الحرب الشعواء التي شنها الاستعمار على الدين الإسلامي واللغة العربية، جعلت التعليم في الجزائر يصل إلى أدنى مستوى له، فحتى سنة 1901 -أي بعد حوالي 70 سنة من الاحتلال- كانت نسبة المتعلمين من الأهالي لا تتعدى 3.8%، فكادت الجزائر أن تتجه نحو الفرنسة والتغريب أكثر من اتجاهها نحو العروبة والإسلام.
وقد تأثرت الحياة الفكرية والدينية في هذه الفترة ببعض العوامل الأخرى، نذكر منها ما يلي:
أ- الطرق الصوفية:
من الإنصاف أن نذكر هنا الدور الإيجابي الذي قامت به بعض الطرق الصوفية منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر، فقد ساهمت بعض زواياها في نشر الثقافة العربية الإسلامية، كما قام كثير من رجالاتها بالتصدي للاستعمار والاستبسال في محاربته.
فقد كان الأمير عبد القادر الجزائري راسخ القدم في التصوف، وكان الشيخ الحداد -أحد قادة ثورة القبائل الكبرى عام 1871م- قد انتهت إليه مشيخة الطريقة الرحمانية في وقته، إلا أن كثيرًا من الطرق قد انحرفت في ما بعد عن الخط العام الذي رسمه مؤسسوها الأوائل، فكثرت عندها البدع والضلالات والخرافات، وتقديس القبور والطواف حولها، والنذر لها، والذبح عندها، وغير ذلك من أعمال الجاهلية الأولى. كما أنه كانت لبعض رجالاتها مواقف متخاذلة تجاه الاستعمار، حيث سيطرت هذه الطرق على عقول أتباعها ومريديها، ونشرت بينهم التواكل والكسل، وثبّطت هممهم في الاستعداد للكفاح من أجل طرد المحتل الغاصب، بدعوى أن وجود الاحتلال في الجزائر هو من باب القضاء والقدر، الذي ينبغي التسليم به، والصبر عليه، وأن طاعته هي طاعة لولي الأمر.
بهذه الروح المتخاذلة والتفكير المنحرف، كانت بعض الطرق سببًا في إطالة ليل الاستعمار المظلم في البلاد من جهة، وتفرق صفوف الأمة وضلالها في الدين والدنيا من جهة أخرى.
ب- انتشار الجهل والأمية :
لقد أدّت الثورات المتتالية التي خاضها الشعب ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، إلى فقدان الأمة لزهرة علمائها في ميدان الجهاد.
كما أن كثيرًا من المستنيرين من حملة الثقافة العربية الإسلامية هاجروا إلى المشرق العربي، وإلى البلاد الإسلامية الأخرى، يتحيّنون الفرص للرجوع إلى الوطن وتطهيره من سيطرة الفرنسيين، كل ذلك ساهم في انتشار الجهل وتفشي الأمية بين أفراد الأمة، مما أثّر سلبًا على الحياة الفكرية في تلك الفترة.
ج- المدارس البديلة التي أنشأها الاستعمار :
لم تفتح هذه المدارس في حقيقة الأمر من أجل تعليم أبناء الجزائر، ورفع مستواهم الثقافي، بل كان الاستعمار يقصد من وراء ذلك عدة أمور، منها:
- تجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية الإسلامية، ومحاولة إدماجه وصهره في البوتقة الفرنسية بإعطائه تعليمًا هزيلاً يجعله أسهل انقيادًا لسياسته.
- قتل الروح الوطنية التي أدت إلى اشتعال الثورات المتوالية، وجعل الشعب أكثر خضوعًا للاحتلال.
- إيجاد قلة متعلمة للاستفادة منها في بعض الوظائف التي تخدم الاحتلال.
فقد أنشأت فرنسا لهذا الغرض عدة مدارس ابتدائية، منها المدارس (الفرنسوية الإسلامية Franco-Musulmane ، في الجزائر العاصمة وبعض المدن الأخرى ابتداءً من سنة 1836م.
ولم تكن هناك مدارس للتعليم الثانوي والعالي إلا بحلول القرن العشرين، حيث فتحت المدرسة الثعالبية في عهد الحاكم الفرنسي (جونار) سنة 1904م، رغم أن مرسوم إنشائها صدر منذ سنة 1850م.
د- هجر الأهالي للمدارس الفرنسية :
كان الأهالي يتخوّفون كثيرًا من التعليم الرسمي المقصور على تعلّم اللغة الفرنسية وحضارتها، إذ رأوا فيه وسيلة خطيرة لفرنسة أبنائهم، فكان الإقبال على هذه المدارس ضئيلاً جدًا.. ومع عدم وجود المدارس الحرّة الكفيلة باحتضان أبناء المسلمين، فإن نسبة الأمية ارتفعت إلى درجة مذهلة، كما مر بنا آنفًا.
كل هذه العوامل ساهمت بطريقة أو بأخرى في انتشار الجهل والأمية بين أفراد الشعب، مما جعل الحالة الثقافية والفكرية والدينية في تلك الفترة تبعث على الحزن والأسى.
* المرحلة الثانية (1900-1914م):
الأمة الجزائرية هي قطعة من المجموعة الإسلامية العظمى من جهة الدين، وهي ثلة من المجموعة العربية، من حيث اللغة التي هي لسان ذلك الدين.
فالأمة الإسلامية بهذا الدين وهذا اللسان وحدة متماسكة الأجزاء، يأبى الله لها أن تتفرق وإن كثرت فيها دواعي الفرقة، ويأبى لها دينها، وهو دين التوحيد، إلا أن تكون موحدة.
فعلى الرغم من الحصار الذي فرضته فرنسا على الجزائر لعزلها عن بقية الأقطار الإسلامية، خاصة تلك التي لم تُبْتَل بما ابتليت به من محاولة طمس دينها ولغتها، فإنه مع إطلالة القرن العشرين بدأت الجزائر تعيش حركة فكرية شبه متواصلة مع الأقطار الإسلامية الأخرى، سواء عن طريق الطلبة الذين ابتعثوا للدراسة في جامع الزيتونة والأزهر والجامعات الإسلامية الأخرى، أو عن طريق الدعوات الإصلاحية التي قامت في البلاد الإسلامية، مثل دعوة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.
وهناك عوامل أخرى ساعدت على قيام هذه الحركة الفكرية، كتلك البوادر الإصلاحية الفردية التي قام بها في الجزائر بعض العلماء المتفاعلين مع حركة الإصلاح الإسلامي.. ولعل مما ساعد على قيام هذه النهضة أيضًا، تولي المسيو (شارل جونار) الولاية العامة في الجزائر.
وهنا نلقي بعض الضوء على جانب من تلك العوامل التي ساهمت في ظهور وانتعاش النهضة الفكرية في الجزائر:
1- عودة الطلبة الذين درسوا في الخارج:
وأقصد بهم الطلبة الذين درسوا في جامع الزيتونة، وجامعة القرويين، والأزهر، وفي الحجاز والشام.
ساهم هؤلاء المثقفون بعد عودتهم إلى الوطن بجهود عظيمة في النهوض بالحياة الفكرية والدينية، بما أثاروا من همم وأحيوا من حمية، وبنوا من مدارس في مختلف أنحاء الوطن، وبما أصدروا من صحف، معتمدين في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم، فأصلحوا العقائد، وصححوا المفاهيم، ونقّوا الأفكار من رواسب البدع والخرافات التي علقت بها، وأحيوا الشعلة التي أخمدها الاستعمار في نفوس الأمة.. ويوم اسوداد المآزم وتلاحم الخطوب، أعادوا ذكرى أسلافهم في الصبر والصمود.. ومن هؤلاء الرواد الذين ساهموا في إثراء هذه النهضة الفكرية الإسلامية بالجزائر نذكر:
- الشيخ عبد القادر المجاوي [1848-1913م]:
تخرج الشيخ المجاوي من جامعة القرويين بمدينة فاس، ويعتبر من العلماء القلائل الذين كانــوا على رأس الحركــة الإصلاحيــة في الجزائــر، (فلا تجد واحــدًا من هــؤلاء (المصلحين) في الربع الأول من هــذا القــرن إلا وهو من تلامذته).. خرّج أفواجًا كبيرة من المدرسين والأئمة والوعاظ والمترجمين والقضاة، كان من بينهم الشيخ (حمدان الونيسي) أستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس.. وقد ترك الشيخ المجاوي آثارًا علمية كثيرة في اللغة والفلك والعقيدة والتصوف، نذكر منها: كتاب (الدرر النحوية)، و(الفريدة السنيَّة في الأعمال الحبيبية)، و(اللمع في إنكار البدع)، و(نصيحة المريدين)، وغيرها مما يضيق المقام بسردها.
ومن بين رواد النهضة الإسلامية في تلك الفترة أيضًا العلامة:
- الشيخ عبد الحليم بن سماية [1866-1933]:
يعتبر الشيخ ابن سماية في مقدمة الأفاضل الذين أمدوا هذه النهضة بآثار فضلهم، ومن أوائل المصلحين الجزائريين الداعين لفكرة الإمام محمد عبده الإصلاحية، ومن رفاق الشيخ المجاوي في التدريس، كما يعدّ من أوسع علماء عصره علمًا وثقافة. (فقد تخرّج على يديه جيل من المثقفين مزدوجي الثقافة، وخلّف مؤلفات كثيرة منها كتاب (فلسفة الإسلام).
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن أغلب أعضاء البعثات العلمية التي ذكرنا سابقًا، قد ظهر تأثيرهم على الحياة الفكرية والحركة الإصلاحية بشكل ملحوظ، في العقدين الثالث والرابع من هذا القرن خاصة، مثل: الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ مبارك بن محمد الميلي، وغيرهم.
2- الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي :
كان للدعوة التي قادها الأستاذ جمال الدين الأفغاني أثر كبير في نشر الفكر الإصلاحي السلفي في الجزائر، فرغم الحصار الذي ضربه المستعمر لعزلها عن العالم الإسلامي، زار الشيخ محمد عبده -تلميذ الأستاذ جمال الدين- الجزائر عام 1903م، واجتمع بعدد من علمائها، منهم الشيخ محمد بن الخوجة، والشيخ عبد الحليم بن سماية، كما ألقى في الجزائر تفسير سورة العصر. وقد كان لمجلة العروة الوثقى ومجلة المنار، تأثير كبير على المثقفين من أهل الجزائر، الذين اعتبروا دروس العقيدة التي كانت تنشرها (المنار) للإمام محمد عبده، بمثابة حبل الوريد الذي يربطهم بأمتهم.
وقد استمر الاتصال الفكري بين الجزائر وغيرها من البلاد الإسلامية ولم ينقطع، فقد شارك الشيخ عمر بن قدور بقلمه في جريدة (الحضارة) بالآستانة، و(اللواء) و(المؤيد) بمصر سنة 1914م، وقد كانت هذه الجرائد والمجلات تدعو إلى نهضة العرب والمسلمين، وكانت رائجة في بلاد المغرب والجزائر خاصة.
ويعترف الفرنسيون بأن هناك (مجرى سريًا، ولكنه غزير ومتواصل، من الصحف والمجلات الشرقية التي أعانت المغاربة في مجهوداتهم الإصلاحية، وجعلتهم مرتبطين أبدًا بالرأي العام العربي).
3- ظهور الصحافة العربية الوطنية في الجزائر:
ظهرت في الجزائر خلال تلك الفترة صحافة وطنية عربية، ساهمت مساهمة فعالة في بعث النهضة الفكرية والإصلاحية الحديثة.
فقد عالجت في صفحاتها كثيرًا من الموضوعات الحساسة، منها: الدعوة إلى تعليم الأهالي، وفتح المدارس العربية لأبناء المسلمين، والتنديد بسياسة المستعمرين واليهود، ومقاومة الانحطاط الأخلاقي والبدع والخرافات. فهذا الأستاذ عـمـر راســم يجلجــل بآرائــه في غيــر مواربـة ولا خوف، فيقول: (أجل، يجب أن نتعلم لكي نشعر بأننا ضعفاء.. يجب أن نتعلم لكي نعرف كيف نرفع أصواتنا في وجه الظلم.. يجب أن نتعلم لكي ندافع عن الحق، وتأبى نفوسنا الضيم، ولكي نطلب العدل والمساواة بين الناس في الحقوق الطبيعية، وفي النهاية لكي نموت أعزاء شرفاء ولا نعيش أذلاء جبناء).
كما ظهر في هذا الميدان كتّاب شاركوا بمقالاتهم وتحليلاتهم في تشخيص الداء الذي ألمّ بالأمة، واقتراح الدواء الناجع لذلك، من هؤلاء الشيخ المولود بن الموهوب، والشيخ عبد الحليم بن سماية، والأستاذ عمر بن قدور وغيرهم.
4- تولي (شارل جونار) الولاية العامة في الجزائر:
على الرغم من أن المسيو (جونار) فرنسي نصراني، إلا أن وصوله إلى منصب الحاكم العام في الجزائر، كان له أثر كبير على الحياة الفكرية في تلك الفترة.
يُذكر أن هذا الأخير (شجّع إحياء فن العمارة الإسلامية، وبعْث التراث المكتوب، والتقرّب من طبقة المثقفين التقليديين، وتشجيعهم على القيام بمهمتهم القديمة، كإقامة الدروس في المساجد ونحوها)، كما اهتم بالتأليف ونشر الكتب العلمية وكتب التراث، مما كان له أثر هام على الحياة الثقافية في الجزائر.
وقد أشرف (جونار) على فتح المدرسة الثعالبية سنة 1904م، بجوار مقام (سيدي عبد الرحمن الثعالبي) في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية، وندب اثنين من الشيوخ للتدريس ونشر العلم بها، كما أمر بنشر كتابين هامين، أحدهما كتاب: (تعريف الخلف برجال السلف)، الذي صنّفه الشيخ أبو القاسم الحفناوي وطبعه سنة 1907م، والكتاب الثاني: (البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان)، لابن مريم الشريف التلمساني، الذي تولى إعداده للنشـر الأستاذ (محمد ابن أبي شنب)، المدرِّس بالمدرسة الثعالبية الدولية، وطبع سنة 1908م برعاية المسيو (جونار).
هذه باختصار أهم العوامل التي ساعدت على قيام تلك الحركة الفكرية الإصلاحية بالجزائر، في الفترة التي ظهر فيها الشيـخ عبد الحميد ابن باديس.
وبهذا العرض المتواضع، تتضح لنا طبيعة الوسط الثقافي والفكري الذي تربى وترعرع فيه الشيخ ابن باديس، ويبقى أن نتعرف على شخصية الشيخ وأسرته ونشأته، ورحلاته، وشيوخه، ومكانته العلمية
الفصل الثاني : حياة الشيخ ابن باديس
المبحث الأول : التعريف بالشيخ ابن باديس
مـولـده : ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس بمدينة قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، في ثاني الربيعين من سنة 1307هـ، الموافق لليلة الجمعة 4 ديسمبر عام 1889م.
والـداه: والده هو السيد محمد المصطفى بن مكي بن باديس، حافظ للقرآن الكريم.. كان يشتغل بالتجارة والفلاحة، يعدّ من أعيان مدينة قسنطينة وسراة أهلها، عُرف بدفاعه عن حقوق المسلمين في الجزائر.. توفي سنة 1951م. أما أمّه فهـي السيـــدة زهيـــرة بنت علـــي ابن جلول، من أسرة اشتهرت بالعلم والتدين.
أسرتـه : أسرة ابن باديس مشهورة في شمالي إفريقيا، نبغ فيها عظماء الرجال، وكانت تجمع بين العلم والجاه.. تنحدر هذه الأسرة من العائلة الصنهاجيّة، التي سطع نجمها في ميدان الإمارة والملك بالمغرب الأوسط في القرن الرابع الهجـــري، كان منهـــا الأميــر زيـــري بن منّـــــاد ابن منقوش، أمير صنهاجة التليّة، ثم ابنه يوسف بن زيري الملقب (بولغين)، الذي استخلفه المعز لدين الله الفاطمي على كامل المغرب بعد ارتحاله إلى مصر.
ومن رجالات هذه الأسرة المشهورين، الذين كان الشيخ عبد الحميد يفتخر بهم: المعز لدين الله بن باديس، الذي قاوم البدعة ودحرها، ونصر السنة وأظهرها، فأزال مذهب الشيعة الباطنية، وأعلن مذهب أهل السنة والجماعة مذهبًا للدولة، وبالتالي انفصل عن الدولة الفاطمية بمصر، وكان ذلك في حدود سنة 404هـ، وقد توفي المعز لدين الله بن باديس في حدود سنة 454هـ.
من هذه النبذة القصيرة، تتضح لنا خصائص العائلة التي ينحدر منها ابن باديس، وعراقتها في ميادين الملك والعلم
المبحث الثاني : نشأة ابن باديس وطلبه للعلم
أ- نشأته :
نشأ الإمام ابن باديس في أحضان تلك الأسرة العريقة في العلم والجاه، وكان والده بارًا به، فحرص على أن يربيه تربية إسلامية خاصة، فلم يُدخلْه المدارس الفرنسية كبقية أبناء العائلات المشهورة، بل أرسل به إلى الشيخ المقرئ محمد بن المدّاسي، فحفظ عليه القرآن وتجويده، وعمره لم يتجاوز الثالثة عشر سنة.. نشأ منذ صباه في رحاب القرآن، فشبّ على حبه، والتخلّق بأخلاقه.
ثم ما لبث أن وجهه إلى المربّي الكبير والعالم الجليل الشيخ حمدان الونيسي، فتلقى منه العلوم العربية والإسلامية ومكارم الأخلاق، وعليه واصل السماع والتلقي في قسنطينة، فنال إعجاب أساتذته بما أظهر من استقامة في الخُلُق، وطيبة في السيرة، وشَغَف كبير في طلب العلم.
ب- رحلاته في طلب العلم :
إن الرحلة في طلب العلم أمر شائع عند المسلمين، فقد رحل جابر ابن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس لأجل حديث واحد، وكذلك فعل كثير من الصحابة والتابعين.. ومن فضائل الارتحال أن العالِم يطوف ببلدان كثيرة، فيشاهد أحوال الشعوب وتقاليدها وعاداتها، واختلاف طبائعها، فيأخذ عن شيوخها وأعيانها، ويتلقى العلم عليهم، مما يؤدي إلى كثرة الاطلاع، ووفرة الثقافـــة.
والشيخ ابن باديس لم يكن بعيدًا عن هذه السنّة الحميدة، فما أن أحسّ أنه استوعب كثيرًا مما جاد به أستاذه الشيخ الونيسي، وعلم من عزم هذا الأخير على الهجرة، كان عليه أن يُواصل الطلب والتحصيل.. وبتشجيع من والده، ارتحل ابن باديس إلى تونس، متتبعًا ينابيع العلم والمعرفة، فأخذ هناك العلم من عظماء الزيتونة وفطاحلها.
1- رحلته إلى تونس :
مما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أنه في سنة 1908م، هاجر الشيخ حمدان الونيسي إلى المدينة المنوّرة للاستقرار بها، فحاول تلميذه ابن باديس الالتحاق به فمنعه والده من ذلك، وكان عمره آنذاك تسعة عشر عامًا، غير أن والده كان حريصًا على إتاحة الفرصة أمام هذا الابن البار لإتمام دراسته، فأرسله إلى جامع الزيتونة بتونس، فكانت تلك أولى رحلاته إلى الخارج.. تلقى العلم في هذه الجامعة على المبرزين من علمائها، أمثال الشيخ محمد النخلي، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، وغيرهم، وظل يأخذ عن شيوخه حتى استوفى الكثير مما عندهم من العلوم الإسلامية، طيلة أربع سنوات إلى أن أجازوه للتدريس، فمكث بعد تخرجه سنة أخرى للتدريس فيها، وكانت تلك عادة متبعة في كثير من الجامعات الإسلامية.
ولم يكتف الشيخ ابن باديس بتلك البرامج التي أهلته لنيل الشهادة العالمية، بل زاد في تحصيله خارج أوقات الدراسة إلى أن تشبّع بمختلف فروع المعارف الإسلامية، وكان لتوجيهات الشيخ النخلي الأثر الكبير في ذلك.
2- رحلته إلى المشرق :
عاد ابن باديس سنة 1912م إلى الجزائر، وكّله عزم على بعث نهضة علميّة جديدة يكون أساسها الهداية القرآنية والهدي المحمّدي، والتفكير الصحيح، فانتصب يُحْيِي دوارس العلم بدروسه الحية في الجامع الكبير بقسنطينة، عائدًا بالأمة المحرومة إلى رياض القرآن المونقة، وأنهاره العذبة المتدفقة، وأنواره الواضحة المشرقة.
ورغم ما للمفتي الشيخ المولود بن الموهوب من سبق في هذا الميدان، وجولات ضد البدع والانحراف، إلا أن الذي يحدث عادة بين الأقران من تنافس، دفعه للتصدّي لابن باديس، ومنعه من التدريس بالجامع الكبير، فتحوّل هذا الأخير إلى الجامع الأخضر للتدريس به، بعد توسّط والده لاستخراج إذن بذلك.
وفي موسم الحج لعام 1913م ارتحل ابن باديس إلى الديار المقدسة، لأداء هذا الركن، فالتقى هناك بأستاذه الأول الشيخ حمدان الونيسي، وكذلك التقى بعالم الهند الكبير الشيخ حسين أحمد المدني، كما التقى في المدينة المنورة بالشيخ البشير الإبراهيمي.
وقد ألقى الشيخ ابن باديس خلال الأشهر الثلاثة، التي قضاها هناك، دروسًا عديدة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم.. وأثناء عودته إلى الجزائر طاف بعدّة بلدان عربية، فزار سوريا ومصر، التي التقى فيها بالشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ أبي الفضل الجيزاوي.
وقد تميّزت هذه الرحلة بالنسبة للشيخ ابن باديس بحدثين هامين، كان لهما الأثر الكبير في توجهه ومستقبل عمله:
الحدث الأول: هو التقاؤه بالشيخ أحمد الهندي، الذي نصحه بالعودة إلى الجزائر وخدمة الإسلام فيها والعربية بقدر الجهد، فحقق الله أمنية ذلك الشيخ بعودة ابن باديس إلى وطنه، وتفانيه في خدمة الدين واللغة، إلى أن تكوّنت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي كان أول رئيس لها، ثم واصل رفاقُ دَرْبِه المسيرةَ من بعده.
الحدث الثاني: هو التقاؤه بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي، رفيق دربه في الذّود عن الإسلام ولغة الإسلام في الجزائر.
فكانت لقاءات المدينة المنورة التي جمعت بينهما، هي التي وُضعت فيها الخطط العريضة لمستقبل العمل في الوطن، وحُددت فيها الوسائل التي تنهض بالجزائر نهضة شاملة، تهتك أستار الظلام، الذي فرضه المستعمر على الأمة، عقودًا طويلة من الزمن.
هذه باختصار ملامح من البيئة التي نشأ وترعرع فيها ابن باديس، وحتّى تزداد الصورة وضوحًا، لابدّ لنا من التعرف على شيوخه الذين تربّى على أيديهم وأخذ عنهم العلم والمعرفة، وهو ما سنتعرف عليه في المبحث القادم إن شاء الله.
المبحث الثالث : شيوخ ابن باديس
يُرجِع ابنُ باديس الفضلَ في تكوينه العلمي إلى والده، الذي ربّاه تربية صالحة، ووجّهه وجهة سليمة، ورضي له العلم طريقًا يتبعه، ومشربًا يَرِدُهُ، ولم يشغله بغيره من أعباء الحياة، فكفله وحماه من المكاره صغيرًا وكبيرًا.
وكان أول معلّم له هو الشيخ محمد بن المدّاسي، أشهر مقرئي مدينة قسنطينة في زمانه، تلقى عليه القرآن فأتقن حفظه وتجويده.. أما أستاذه الذي علّمه العلم، وخط له مناهج العمل في الحياة، ولم يبخس استعداده حقّه، فهو الشيخ حمدان الونيسي: العالم العارف، الذي استطاع أن ينفذ إلى نفسية تلميذه، فيطبع حياته العلمية والعملية بطابع روحي وأخلاقي لم يفارقه طول حياته.
وقد ظل ابن باديس يذكر تأثير شيخه على نفسيته، فيقول عنه: إنه تجاوز به حد التعليم المعهود من أمثاله، إلى التربية والتثقيف والأخذ باليد إلى الغايات المثلى في الحياة.
وفي جامع الزيتونة أخذ ابن باديس العلم عن المبرزين من الأساتذة والشيوخ، الذين كان لهم بالغ الأثر في تكوينه الفكري واتجاهه الإصلاحي، نذكر منهم على الخصوص:
1- الشيخ محمد الطاهر بن عاشو ر: الذي لازمه قرابة الثلاث سنوات، فأخذ عنه الأدب العربي وديوان الحماسة لأبي تمّام، يقول ابن باديس عن ذلك: (وإن أنسى فلا أنسى دروسًا قرأتها من ديوان الحماسة على الأستاذ ابن عاشور، وكانت من أوّل ما قرأت عليه، فقد حبّبتني في الأدب والتفقه في كلام العرب، وبثت فيّ روحًا جديدًا في فهم المنظوم والمنثور، وأحيت مني الشعور بعزّ العروبة والاعتزاز بها كما أعتز بالإسلام)، ولم يمنع ابن باديس هذا التقدير لشيخه والثناء عليه، من مخالفته وانتقاده في بعض فتاواه.
2- الشيخ محمد النخلي القيرواني: هو العالم الجليل وصاحب الفضل الكبير والعلم الغزير، أستاذ التفسير في جامع الزيتونة المعمور، استقى ابن باديس الحكمة من بحر الخير الذي كان يتدفق من صدر هذا العالم العامل، فكان لذلك أثر عميق في توجهه العلمي والعملي.. يقول ابن باديس عن شيخه: (كنت متبرّمًا بأساليب المفسرين، وإدخالهم لتأويلاتهم الجدلية واصطلاحاتهم المذهبية في كلام الله... فذاكرتُ يومًا الشيخ النخلي فيما أجده في نفسي من التبرم والقلق، فقال لي: (اجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، وهذه الأقوال المختلفة، وهذه الآراء المضطربة، يسقط الساقط، ويبقى الصحيح، وتستريح)، فوالله لقد فتح الله بهذه الكلمات القليلة عن ذهني آفاقًا واسعة لا عهد له بها).. ويقــول عنه في موقــع آخــر: (ولا أكتمكم أني أخذت شهادتي في جامع الزيتونة في العشرين من عمري، وأنا لا أعرف للقرآن أنه كتاب حياة، وكتاب نهضة، وكتاب مدنية وعمران، وكتاب هداية للسعادتين، لأنني ما سمعتُ ذلك من شيوخي عليهم الرحمة ولهم الكرامة، وإنما بدأت أسمع هذا يوم جلست إلى العلامة الأستاذ محمد النخلي).
فللأستاذ النخلي يرجع الفضل في تحرير تلميذه من قيود التقليد الذي لا فكر فيه ولا نظر، ففتح الله له على يد هذا الأستاذ الفاضل أبواب العمل والمعرفة، ففهم قواعد الإسلام ومحاسنه، وعقائده وأخلاقه، وآدابه وأحكامه، فأشرقت دعوته تهتك أستار الظلام والجهل، وتشع بالنور والعلم.
3- الشيخ البشير صفر : الذي يعتبر من أبرز علماء تونس، ومن القلائل الذين جمعوا بين التعليم العربي الإسلامي والتعليم الغربي الأوروبي، مع إتقانه لعدة لغات حية.
اشتغل الأستاذ بشير صفر بالتدريس في جامع الزيتونة والمدرسة الخلدونية، وكان لسعة اطلاعه وتنوع ثقافته، يعدّ من أشهر أساتذة التاريخ العربي والإسلامي فيها.. واعترافًا منه بفضل هذا الأستاذ الكبير عليه، يقول ابن باديس: (وأنا شخصيًا أصرح بأن كراريس البشير صفــر، الصغيرة الحجم، الغزيرة العلم، هي التي كان لها الفضل في اطلاعي على تاريخ أمتي وقومي، والتي زرعت في صدري هذه الروح التي انتهت بي اليوم لأن أكون جنديًا من جنود الجزائر).
هؤلاء أهمّ الأساتذة الذين تلقى عليهم الشيخ ابن باديس العلوم العربية والإسلامية، وهم الذين كان لهم الأثر الكبير في تكوينه وتربيته، فحبّبوا إليه الاتجاه الإصلاحي منذ كان طالبًا إلى أن صار ركنًا ركينًا للنهضة الإسلامية في الجزائر.
وإن كان هؤلاء الأساتذة قد أخذ عليهم -ابن باديس- العلم مباشرة، فإن له شيوخًا كان لمؤلفاتهم وآثارهم ومناهجهم الأثر الكبير في تكوينه الفكري ومنهجه الإصلاحي، ومن بين الذين عاصروه نخص بالذكر ما يلي:
1- الأستـاذ محمــد رشيــد رضـــا : الـذي خـصّـه ابن باديس بترجمة شاملة في أعداد مجلة الشهاب، أوضح فيها جوانب عظمة الأستاذ رشيد رضا، والجوانب التي تأثر بها، فيقول: (لقد كان الأستاذ نسيجَ وَحْدِهِ في هذا العصر، فقهًا في الدين، وعلمًا بأسرار التشريع، وإحاطة بعلوم الكتاب والسنة، ذا منزلة كاملة في معرفة أحوال الزمان وسر العمران والاجتماع، وكفى دليلاً على ذلك ما أصدره من أجزاء التفسير، وما أودعه مجلة المنار في مجلداتها).
ويوضح ابن باديس ما للسيد رشيد من آثار على الحركة الإصلاحية الحديثة، فيقول: (فهذه الحركة الدينية الإسلامية الكبرى اليوم في العالم -إصلاحًا وهداية، بيانًا ودفاعًا- كلها من آثاره).
ومن خلال ما قدّمنا، يبدو أن ابن باديس قد تأثر بالأستاذ محمد رشيد رضا في جوانب من منهجه، خاصة: استقلاليته في التفكير، وأسلوبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعده عن الوظائف، فرحمهما الله جميعًا، وأسكنهما فسيح جناته.
2- الشيخ محمد بخيت المطيعي : يعد من المدرسة الإصلاحية الحديثة، وكان -على معارضته للشيخ محمد عبده في نواح- يؤيده في إنكار البدع والمحدثات في الدين.. وعن علاقته به، يقول الشيخ ابن باديس: (لما رجعت من المدينة المنورة، على ساكنها وآله الصلاة والسلام سنة 1332هـ، جئت من عند شيخنا العلامة الشيخ حمدان الونيسي المهاجر إلى طيبة والمدفون بها -رحمه الله- جئت من عنده بكتاب إلى الشيخ بخيت، وكان قد عرفه بالإسكندرية لما مرّ بها مهاجرًا. فعرّجت على القاهرة وزرت الشيخ بخيت بداره بحلوان، فلما قدّمت له كتاب شيخنا حمدان، قال لي: (ذلك رجل عظيم)، وكتب لي إجازة في دفتر إجازاتي بخط يده، رحمه الله وجازاه عنا وعن العلم والدين خير ما يجزي العاملين الناصحين).
ولعله من الأهمية بمكان أن نذكر في هذا المبحث، العلامة الكبير السيد حسين أحمد الهندي الفيض آبادي، الذي كان الشيخ ابن باديس يذكره كثيرًا، ويرجع إليه الفضل في توجيهه إلى العمل في الجزائر، عندما التقى به في المدينة المنورة سنة 1913هـ، فيقول: (أذكر أني لما زرتُ المدينة المنورة، واتصلت فيها بشيخي الأستاذ حمدان الونيسي، المهاجر الجزائري، وشيخي حسين أحمد الهندي، أشار عليّ الأول بالهجرة إلى المدينة المنورة، وقطع كل علاقة لي بالوطن، وأشار عليّ الثاني، وكان عالمًا حكيمًا، بالعودة إلى الوطن وخدمة الإسلام فيه والعربية بقدر الجهد، فحقق الله رأي الشيخ الثاني، ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته...)، وكان الشيخ حسين أحمد الهندي يتولى شرح صحيح الإمام مسلم في المسجد النبوي الشريف.
وممن تأثر بهم الشيخ عبد الحميد بن باديس في حياته العلمية ودعوته الإصلاحية، أعلام المدرسة الأندلسية المغربية، الذين قرأ كتبهم قراءة تمحيص وتحقيق، وهي كثيرة في فنون مختلفة، من الفقه والتفسير والحديث واللغة والأدب، وكانت جلّ هذه الكتب تشكل الزاد العلمي والثقافي لتلاميذ المدرسة الباديسية، ومِن هؤلاء الأئمة: القاضي عياض، والقاضي أبو بكر بن العربي، والإمـام أبـو عــمـر ابن عبد البر.
أما العلامة القاضي عياض، فقد اختـار الشيـخ عبد الحميد ابن باديس كتابه (الشفا)، لتدريسه لطلبته في المسجد الكبير بقسنطينة سنة 1913م، يقول ابن باديس عن ذلك: (ابتدأت القراءة بقسنطينة بدراسة الشفا للقاضي عياض بالجامع الكبير).
وأما الإمام أبو بكر بن العربي فيقول عنه ابن باديس أنه: (خزانة العلم وقطب المغرب)، وقد حقق مخطوط كتاب العواصم من القواصم، وقدم له بمقدمة طويلة وطبعه سنة 1928م، في جزأين بمطابع الشهاب بقسنطينة، وقد تأثر الإمام ابن باديس به وبالإمــام أبي عمر ابن عبد البر القرطبي، فأخذ عنهما الكثير من فيض علمهم، وخاصة فيما انتهجاه في إصلاح طرق التدريس، التي كانت سائدة في عصرهما بالأندلس، وهو نفس المنهج الذي اتّبعه ابن باديس في مقاومة روح التقليد والجمود الفكري الذي واجه دعوته الإصلاحية في الجزائر.
أولئك هم شيوخ ابن باديس وأساتذته، الذين في أحضانهم نشأ وترعرع، ومن ينابيعهم الصافية استقى العلم والمعرفة، وعلى منهاجهم أقام دعوته، وبمقاومة روح التقليد والجمود شق طريقه.
وقد ساهم الشيخ ابن باديس بقوة في جميع جوانب الحياة الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية في الجزائر، وهو ما سنتناوله في المبحث القادم إن شاء الله


يتبـــــــــــع.



ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc

ماسينيسا
طالب نشيط
ماسينيسا
طالب نشيط

السٌّمعَة : 30
ذكر
نقاط : 1460
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Empty
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Clock13 2012-02-11, 7:06 pm

[ thanks ]

مرسي

[على] الموضوع تستاهل تقييم و تشجيع [على]
المجهودات الرائعة
ننتظر

منكـ
المزيد |
دمت مبدعا و بـــ الله
ـــاركـ فيك
تح
ــياتي وشكري ليك
دمت


ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc

استاذ المنتدى
طالب نشيط
استاذ المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 34
ذكر
نقاط : 1989
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Empty
http://omaarab.7olm.org/
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Clock13 2012-02-19, 7:10 pm

مشــكور على الموضوع

و علـــ إفادتك

لنا و للجمـــيعـ ـــى

ننتظر المزيد من

إبداعاتك و نشاطك

وإفادتك


ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc

مدرس المنتدى
طالب نشيط
مدرس المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 35
ذكر
نقاط : 1936
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Empty
ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc Clock13 2012-03-28, 9:12 pm

بارك الله فيك فيك يا بطل

نتظر مزيد من الإبداعات


 مواضيع مماثلة

-
» ابن باديس وجهوده التربوية 5
» ابن باديس وجهوده التربوية 4
» ابن باديس وجهوده التربوية 3
» ابن باديس وجهوده التربوية.doc
» ابن باديس + بيت شعري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى :: بــــحوث مدرسية-

Urban Leveling manga | Sweet Enemy manga | Black Queen manga | D-List Actress On The Rise manga | Emp’s Contracted Ex manga | Marry to Find Love manga | Mind-Reading Princess manga | Help! My Pokeman Boyfriend Is real | Exclusive Possession of Your Heart manga | Her Majesty Is Busy manga | raw manga | The Strongest God King | read raw manga | Versatile Mage manga | Release That Witch | Springtime for Blossom | Tales of Demons and Gods | تفسير حلم الثعبان | تفسير حلم قص الشعر | تفسير حلم الحمل | initial d apk | h tweaker apk | apk hello neighbor | Apk D-Touch 4.1 | apk jio 4g voice