ابن باديس وجهوده التربوية 3 Ezlb9t10
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Ezlb9t10





 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديدنا :
آخر المواضيع
date2014-05-25, 2:29 pm
member
date2014-05-25, 12:55 pm
member
date2014-03-19, 10:44 pm
member
date2014-03-03, 10:03 pm
member
date2013-11-09, 10:39 pm
member
date2013-10-04, 4:33 pm
member
date2013-09-30, 6:49 am
member
date2013-09-21, 9:34 pm
member
date2013-09-21, 9:29 pm
member
date2013-09-21, 9:28 pm
member

ابن باديس وجهوده التربوية 3

Admin
مؤسس المنتدى
Admin

السٌّمعَة : 0
ذكر
نقاط : 22423
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Empty
http://omaarab.7olm.org
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Clock13 2012-02-10, 6:23 pm

تــــــــــــــابع

المبحث الرابع : مكانة ابن باديس العلمية
أ- الجهود العملية التي قام بها ابن باديس:
1- التدريس: لقد بدأ ابن باديس التدريس في جامع الزيتونة بعد تخرّجه منه، حيث جرت العادة أن يدرس النبغاء من الطلبة سنة في الجامعة بعد إنهاء دراستهم فيها، وكان ذلك خلال سنة 1911-1912م، وأثناء إقامته بالمدينة المنورة ألقى فيها دروسًا عديدة في المسجد النبوي الشريف.
وبعد عودته إلى الجزائر، استأنف ابن باديس الدروس التي كان يلقيها في الجزائر قبل رحلته إلى الحجاز، وعن ذلك يقول: (ابتدأت القراءة بقسنطينة بدراسة الشفاء للقاضي عياض بالجامع الكبير، حتى بدا لمفتي قسنطينة الشيخ ابن الموهوب، أن يمنعنا فمنعنا، فطلبنا الإذن من الحكومة بالتدريس في الجامع الأخضر فأذنت لنا...).
وقد كان رحمه الله مدرسًا متطوعًا مكتفيًا بالإذن له في التعليم.
ولم يكتف بتعليم الكبار في المساجد فحسب، بل كان يهتم أيضًا بالناشئة الصغار، وعن ذلك يقول: (فلما يسرّ الله لي الانتصاب للتعليم سنة 1332هـ، جعلت من جملة دروسي، تعليم صغار الكتاتيب القرآنية بعد خروجهم منها إلى آخر الصبيحة وآخر العشية، فكان ذلك أوّل عهد الناس بتعليم الصغار...).
وقد تفرّغ الإمام ابن باديس للتعليم، حتى لم يبق له من الشغل سواه، واستمر يُحيي دوارس العلم بدروسه الحيّة، مفسرًا لكلام الله، على الطريقة السلفية، في مجالس انتظمت حوالي ربع قرن، ولم يَحد ابن باديس عن هذه الطريق إلى أن وافاه قدره المحتوم فالتحق بالحي القيوم.
2- الإفتاء: بدأ ابن باديس الفتوى مع انتصابه للتدريس، إلا أن هذا الأمر توسع واشتهر عند قيام الصحافة الإصلاحية، فكانت الأسئلة الفقهية ترد عليه من كـافة عمـالات القطر، فيجيب عليها في صفحـات الشهـاب، والبصــائر، وكـانت تدور حـول العقـائـد والعبـادات والمعامـلات، ومــن أشهــر فتاوى ابن باديس، تلك المتعلقة بالتجنيس، حيث يقول فيها: (التجنس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض أحكام الشريعة، ومن رفض حكمًا واحدًا من أحكام الشريعة عُدّ مرتدًا بالإجماع، فالمتجنّس مرتد بالإجماع).
وللإمام ابن باديس فتاوى كثيرة حول ما كان شائعًا من بدع وانحرافات في زمانه، كانت محل استحسان من علماء عصره.
وعلى العموم فقد كانت تلك الفتاوى، أحد وسائل ابن باديس التي وجه بها الجزائريين إلى القرآن والسنة، وصرفهم بها عن البدع التي أُدخلت على الدين، والمنكرات التي ارتكبت باسمه.
3- ابن باديس والسياسة : رغم انشغال ابن باديس بالتعليم والتفرّغ له، إلا أنه كان ممن لا يهابون الخوض في أمور السياسة، منطلقًا في ذلك من نظرته الشاملة للإسلام الذي لا يفرّق بين السياسة والعلم، وحول هذه المسألة يقول: (وقد يرى بعضهم أن هذا الباب صعب الدخول، لأنهم تعودوا من العلماء الاقتصار على العلم والابتعاد عن مسالك السياسة، مع أنه لابدّ لنا من الجمع بين السياسـة والعلم، ولا ينهض العلم والدين حق النهوض، إلا إذا نهضت السياسة بجد)، ومع أن القانون الأساس لجمعية العلماء ينص على عدم اشتغال هذه الأخيرة بالأمور السياسية، إلا أنّها تركت المجال مفتوحًا أمام أعضائها للخوض في هذا الميدان بصفتهم الشخصية، وكان فارس الميدان في ذلك رئيسها، الإمام ابن باديس الذي كانت له مواقف ثابتة تجاه ما يجري في الجزائر وفي العالم الإسلامي من أحداث وتطورات.
ومن مواقفه المشهورة في هذا المجال، دعوته إلى عقد مؤتمر إسلامي في الجزائر للحيلولة دون تنفيذ مؤامرة إدماج الشعب الجزائري المسلم، في الأمة الفرنسية النصرانية، التي كان ينادي بها بعض النواب، ورجال السياسة الموالين لفرنسا، ورغم أن غالبية الذين حضروا هذا المؤتمر كانوا من أنصار سياسة الإدماج، إلا أن ابن باديس ورفاقه استطاعوا توجيه قراراته، للاعتراف بالشخصية العربية الإسلامية للجزائر.
ولما لاحت نذر الحرب العالمية الثانية سنة 1939م، سعت فرنسا إلى كسب تأييد مختلف الجماعات السياسية في الجزائر، فأبدى الخاضعون لسلطانها تأييدهم ومساندتهم لها، ولما عُرض هذا الأمر على جمعية العلماء رفضته بأغلبية أعضائها، عندها قال ابن باديس: لو كانت الأغلبية في جانب موالاة فرنسا، لاستَقَلْتُ من رئاسة جمعية العلمـاء، وأنه لن يوقع على برقية التأييد ولو قطعوا رأسه.. وكان ابن باديس يرى ضرورة العمل من أجل الاستقلال والتضحية في سبيل ذلك، وأن الحرية لا تُعطى ولا توهب، بل سَجَّل التاريخ أنها تؤخذ وتنتزع، وفي هذا الصدد يقول:
(قلِّبْ صفحات التاريخ العالمي، وانظر في ذلك السجل الأمين، هل تجد أمة غلبت على أمرها، ونكبت بالاحتلال، ورزئت في الاستقلال، ثم نالت حريتها منحة من الغاصب، وتنازلاً من المستبد، ومنة من المستعبِد ؟ اللهم كلا... فما عَهِدْنا الحرية تُعطى، إنما عهدنا الحرية تُؤخذ.. وما عَهِدْنا الاستقلال يـُمنح ويُوهب، إنما عَلِمْنا الاستقلال يُنال بالجهاد والاستماتة والتضحية.. وما رأينا التاريخ يُسجل بين دفتي حوادثه خيبة للمجاهد، إنما رأيناه يسجل خيبة للمستجدي).
وروي أنه قبيل وفاته -رحمه الله- صرح في اجتماع خاص قائلاً: (والله لو وجدت عشرة من عقلاء الأمة الجزائرية يوافقوني على إعلان الثورة، لأعلنتها).
وتظهر مواقف ابن باديس السياسية في المقالات المتعددة التي ضمّنها جرائد ومجلات الجمعية، والتي تناول فيها ما يجري على الساحة العربية والإسلامية من أحداث.
كما تظهر مواقفه كذلك في البرقيات العديدة التي بعث بها إلى جهات إسلامية وأخرى أجنبية، يوضح فيها موقف الجمعية من مختلف الأحداث، خاصة مسألة الخلافة الإسلامية، وقضية تقسيم فلسطين.
الجهود العلمية لابن باديس، وثناء العلماء عليه
1ـ آثار ابن باديس العلمية :
من آثار الإمام عبد الحميد بن باديس: تفسيره للقرآن الكريم، إلقاءً على طلبته ومريديه، بدأه في ربيع سنة 1332هـ - 1914م، وختمه في ربيــع عام 1357هـ - 1938م، ولكنـه لم يكتـب منه إلا قليلاً، فلم يكن الشيخ يكتب من التفسير ما يلقي، ولم تكن آلات التسجيل شائعة الاستعمال، متيسّرة الوجود، ولم يتح له تلميــذ نجيب يسجـل ما يقول، كما أتيح للشيخ محمد عبده في رشيد رضا رحمهم الله، ولكن الله أبى أن يضيّع فضله وعمله، فألهمه كتابة مجالس معدودة من تلك الدروس كان ينشرها فواتح لأعداد مجلة الشهاب، ويسمّيها (مجالس التذكير)، وقد جمعت هذه الافتتاحيات بعد وفاته في كتاب تحت عنوان (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير).
ولم يمض على ختمه لتفسير القرآن العظيم إلا شهورًا، وإذا به -رحمه الله- يختم شرح موطأ الإمام مالك، وكان ذلك في أواسط ربيع الثاني عام 1358هـ (يونيو 1939م).. وعلى غرار ما فعل في التفسير، لم يكتب من شرحه للموطأ إلا النزر اليسير في شكل افتتاحيات لمجلة الشهاب، وقد جمعت في كتاب تحت عنوان: (مجالس التذكير من حديث البشيـر النذيـر).. والملاحــظ أن الشيــخ ابن باديس لم يركّز كثيرًا على الكتابة والتأليف، فقد كان يرى حين تصدّر للتفسير مثلاً: (أن في تفسيره بالكتابة مشغلة عن العمل المقدّم، لذلك آثر البدء بتفسيره درسًا تسمعه الجماهير)، وكان -رحمه الله- مشغولاً مع ذلك بإنقاذ جيل ولد وترعرع في أحضان الاستعمار، وتربية أمة حوربت في دينها ومقدساتها، ومكافحة أمية طغت على الشيب والشباب.
وكان ابن باديس يؤمن بأن بناء الإنسان أصعب، ولكنه أجدى للأمة، من تأليف الكتب، وأن غرس الفكرة البنّاءة في صدر الإنسان، إيقاد لشمعة تنير الدجى للسالكين.
وقد جُمع كثيرٌ من آثاره العلمية بعد وفاته، نذكر منها ما يلي:
أ ـ تفسير ابن باديس: الذي نشره الأستاذان: محمد الصالح وتوفيق محمد، نقلاً عن (مجالس التذكير) الذي طبع ونشر سنة 1948م.
ب ـ (مجالس التذكير من حديث البشير النذير): وقد طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر، سنة 1403هـ - 1983م.
جـ ـ (العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية): وهي عبارة عن الدروس التي كان يمليها الأستاذ ابن باديس على تلاميذه، في أصول العقائد الإسلامية وأدلتها من القرآن والسنة النبوية على الطريقة السلفية، وقد جمعها وعلق عليها تلميذه البار الأستاذ محمد الصالح رمضان.
د ـ كتاب (رجال السلف ونساؤه): وهي مجموعة من المقالات ترجم فيها ابن باديس لبعض الصحابة رضوان الله عليهم، وما لهم من صفات اكتسبوها من الإسلام، وما كان من أعمالهم في سبيله، نشر تلك التراجم في مجلة (الشهاب).
هـ ـ كما حقق ابن باديس كتاب (العواصم من القواصم): للإمام ابن العربي، وقدّم له وطبعه سنة 1928م، في جزأين بمطابع الشهاب بقسنطينة.
و ـ ترجم ابن باديس لكثير من أعلام الإسلام من السلف والخلف، في صفحات مجلة الشهاب، جمعت تحت عنوان (تراجم أعلام).
وقد قامت وزارة الشؤون الدينية في الجزائر بجمع كثير ممّا حوته صحافة الجمعية من نشاطات الإمام عبد الحميد بن باديس في مجالات: التربية والتعليم، والرحلات التي كان يقوم بها داخل الوطن لنشر دعوته، إضافة إلى ما ذكــــرنا مـــن آثـــاره العلميـــة، تحت عنـــوان: (آثار الإمــام عبد الحميد بن باديس).
ولعله من الأهمية بمكان أن نذكر في هذا المبحث، أن الشيخ ابن باديس رحمه الله، كان يطالع معظم الجرائد والمجلات التي تصدر في الجزائر سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسيـة، التي كان يقرأ بها ولا يتكلمها، ويردّ عليها بما يراه مناسبًا، كما كان يحاور ويناظر المستشرقين العاملين في سلك الحكومة في الجزائر آنذاك، ويظهر لهم عظمة الإسلام ومحاسنه.
2ـ ثناء العلماء عليه:
لعل من أبلغ الظواهر الدالة على مكانة الشيخ عبد الحميد بن باديس بين علماء عصره، تلك التقاريظ وذلك الثناء الذي خصّه به معاصروه، ومن بعدهم من المؤرخين والعلماء والمفكرين، نذكر منها ما يلي:
أ ـ الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: رفيق دربه في الإصلاح، وأقرب الناس إليه، وأعرفهم بمناقبه، يقول عنه: (إنه باني النهضتين العلمية والفكرية بالجزائر، وواضع أسسها على صخرة الحق، وقائد زحوفها المغيرة إلى الغايات العليا، وإمام الحركة السلفية، ومنشئ مجلة (الشهاب) مرآة الإصلاح وسيف المصلحين، ومربّي جيلين كاملين على الهداية القرآنية والهدي المحمّدي وعلى التفكير الصحيح، ومحيي دوارس العلم بدروسه الحيّة، ومفسّر كلام الله على الطريقة السلفية في مجالس انتظمت ربع قرن، وغارس بذور الوطنية الصحيحة، وملقّن مبادئها على البيان، وفارس المنابر، الأستاذ الرئيس الشيخ عبد الحميد ابن باديس، أول رئيس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأول مؤسس لنوادي العلم والأدب وجمعيات التربية والتعليم، وحسبه من المجد التاريخي أنه أحيا أمّة تعاقبت عليها الأحداث والغير، ودينًا لابسته المحدثات والبدع، ولسانًا أكلته الرطانات الأجنبية، وتاريخًا غطى عليه النسيان، ومجدًا أضاعه وَرَثَةُ السوء، وفضائلَ قتلتْها رذائلُ الغرب)، فرحم الله تلك الأرواح الطاهرة.
ب ـ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: عميد مجلس الشورى المالكي بتونس في زمانه، وصاحب تفسير (التحرير والتنوير)، وأستاذ الشيخ ابن باديس في جامع الزيتونة. ورغم ما حدث بينهما من تباين في بعض المسائل العلمية والفتاوى الفقهية، إلا أن ذلك لم يمنع الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور من أن ينزله منزلته، ويعترف له بمكانته، فيقول عنه: (العالم الفاضل، نبعة العلم والمجادة، ومرتع التحرير والإجادة، ابننا الذي أفتخرُ ببنوته إلينا... الشيخ سيدي عبد الحميد ابن باديس... أكثر الله من أمثاله في المسلمين).
وفــي الاحتفــال بالذكــرى السابعـة لوفــاة ابن باديس، قــال الشيـخ ابن عاشور: (إن فضل النهضة الجزائرية على العالم الإسلامي فضل عظيم، وإن أثر الشيخ عبد الحميد بن باديس في تلك النهضة أثر إنساني رئيس... وما تكريمنا للشيخ عبد الحميد بن باديس، إلا تكريم للفكرة العبقرية والنزعة الإصلاحية الفلسفية، التي دفعت به فريدًا إلى موقف إحياء التعاليم الإسلامية، في وطن أوشكت شمس الإسلام أن تتقلص في ربوعه، بعد ثمانين عامًا قضاها في أغلال الأسر).
جـ ـ المؤرخ الأستاذ خير الدين الزركلي: صاحب (الأعلام)، والذي عاصر ابن باديس، ويعتبر شاهدًا على جهاده، ينقل لنا شهادته قائلاً عنه: (كان شديد الحملات على الاستعمار، وحاولت الحكومة الفرنسية في الجزائر إغراءه بتوليته رئاسة الأمور الدينية فامتنع، واضطهد وأوذي، وقاطعه إخوة له كانوا من الموظفين، وقاومه أبوه، وهو مستمر في جهاده)، عليهم جميعًا سحائب الرحمة والرضوان.
د ـ الدكتور عبد الحليم عويس: أستاذ التاريخ الإسلامي، الذي كتب كثيرًا حول الدور الرائد الذي قامت به جمعية العلماء في تصحيح العقائد، وتحرير العقول، بالعودة إلى منابع الإسلام الأصيلة، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم. يشيد هذا الأخير بدور رئيسها الشيـــخ ابن باديس ومنهجه في الإصلاح قائلاً: (إن ابن باديس... كان يؤمن إيمانًا لا حدود له بدور القرآن الكريم في تكوين الجيل المنشود، على غرار الجيل الذي كوّنه القرآن في العصور الأولى للإسلام).
هـ ـ الشاعر الجزائري الكبير الشيخ محمد العيد آل خليفة: الذي رافق شعره النهضة الإسلامية في الجزائر في جميع أطوارها. فقد ألقى في حفل تكريم الإمام ابن باديس بختمه لتفسير القرآن الكريم، قصيدة طويلة، أثنى فيها على ابن باديس، وعدّد فيها جهوده العلمية، وجهاده من أجل الحفاظ على شخصية الجزائر الإسلامية، نذكر منها هذه الأبيات:
بمثـــلكَ تعتــــــزُّ البــــلادُ وتفخـــــرُ وتزهرُ بالعلــمِ المنيــرِ وتزخـــرُ
طبعتَ على العلمِ النفوسَ نواشئًا بمخبرِ صدقٍ لا يُدانيهِ مخبرُ
نهجتَ لها في العلـمِ نهجَ بلاغــةٍ ونهج َمفاداةٍ كأنكَ حَيْـــــدرُ
ودَرْسُكَ في التفسيرِ أشهى' مِنَ الجَنَى' وأبْهَــى' مِنَ الـروضِ النظيــــرِ وأبهــر
ختمـــتَ كتــــابَ ا$ِ ختمــةَ دارس بصيــرٍ لـه حَــلُّ العويـــصِ مُيـسَّـر
فكـــمْ لكَ فــي القــرآنِ فَهْـــمٌ موفَّــــق وكــمْ لكَ فــي القــرآنِ قــولٌ محــرر
بعد هذا العرض القصير الذي أوردنا فيه بعضًا من شهادات العلماء والمفكرين وثنائهم عليه، نستطيع أن نقول: إن مما ساعد ابن باديس على النجاح في دعوته والوصول بها إلى الغايات العلى، استقامته ونزاهته التي شهد بها كل من عرفه، وتضلعه في علوم التفسير والحديث والفقه، التي أنار بها الأفكار، وحرّر بها العقول، فضلاً عن تأثيره في مجموعة من معاصريه الذي واصلوا دعوته، وعلى رأسهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، الذي خلفه في رئاسة جمعية العلماء بعد وفاته، والشيخ مبارك الميلي، وغيرهم ممّن ضحوا في سبيل المحافظة على إسلامية الجزائر وعروبتها.
وفـاتــه :
في مساء يوم الثلاثاء 8 ربيع الأول سنة 1359 هـ ، الموافق 16 أبريل 1940م، أسلم ابن باديس روحه الطاهرة لبارئها، متأثرًا بمرضه بعد أن أوفى بعهده، وقضى حياته في سبيل الإسلام ولغة الإسلام، وقد دفن -رحمه الله- في مقبرة آل باديس بقسنطينة.
الفصل الثالث
ابن باديس والعمل الجماعي
المبحث الأول: العمل الجماعي في نظر ابن باديس
إن ما وصلت إليه أوضاع الأمة الجزائرية من تدهور وتردي في ظل الاستعمار الفرنسي الغاشم، لم يترك للإمام ابن باديس من خيار سوى الانطلاق في دعوته، ولو بصفة فردية.
فقد اتخذ من الجامع الأخضر معهدًا لنشاطه العلمي والتعليمي والتربوي، معتقدًا بأن العلم هو وحده الإمام المتبع في الحياة، في الأقوال والأفعال والمعتقدات، ورغم الجهود الفردية المتواصلة التي كان يقوم بها ابن باديس في تلك الفترة، إلا أنه كان يؤمن بوجوب العمل الجماعي، وإنشاء حركة منظمة تتولى انتشال هذه الأمة من وهدة الجهل والتنصير والفرنسة.
وقد انسابت أشعة الفجر الجديد من تلك اللقاءات المباركة، التي جمعته بالأستاذ محمد البشير الإبراهيمي في المدينة المنورة، في موسم الحج سنة 1913م، حين وضعا البذور الأولى للنهضة، التي ما لبثت أن أيقظت الأصوات بعد سكوتها.. وحرّكت الهمم بعد سكونها، يصف لنــا الشيــخ الإبراهيمـــي تلك اللقــاءات المباركــة التي جمعتــه بالشيــخ ابن باديس، فيقول: (وكانت تلك الأسمار المتواصلة كلها، تدابير للوسائل التي تنهض بها الجزائر، ووضع البرامج المفصلة لتلك النهضات الشاملة، التي كانت كلها صورًا ذهنية تتراءى في مخيلتنا، وصحبها من حسن النية وتوفيق الله ما حققها في الخارج بعد بضع عشرة سنة.
وأشهد الله على أن تلك الليالي من عام 1913 ميلادية، هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي لم تبرز للوجود إلا في عام 1931م).
فتطابقت أفكار الرجلين على وجوب إنشاء حركة إصلاحية في الجزائر، فرسما لها منهاجًا بحكمة ومهارة.
وعلى الرغم من الحصار الذي فرضه المستعمر على معاهد التعليم الإسلامي والكتاتيب القرآنية، إلا أن هذه الروح الجديدة والنفثات الهادئة، جعلتها تستمر في أداء رسالتها ومواصلة عطائها.
يصف لنا الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، تلك اليقظة فيقول: (لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات ابن باديس، فكانت ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدّر يتحرك، ويالها من يقظة جميلة مباركة).
ولم تنقطع نداءات ابن باديس لجمع الطاقات وتوحيد الصفوف، وتكاتف الجهود، معتمدًا في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم اللذين هما الأساس لكل نهضة تتطلع لها الأمة، وفي هذا يقول: (إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإنما تكون لهم قوة إذا كانت لهم جماعة منظمة، تفكّر وتدبّر، وتتشاور وتتآزر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكرة وعزيمة).
ورغم ما للأعمال الفردية من منافع ومزايا، إلا أنه لا ينهض بالأمم والشعوب من العمل إلا ما كان منه منظمًا، تتضافر فيه الجهود وتتآزر.
وبعد عشر سنوات من شروعه في التعليم وظهور نتائج ذلك في النشء العلمي الذي كوّنه، حاول ابن باديس أن يعلن الدعوة العامة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح.
ففي سنة 1924م، تدارس مع الأستاذ البشير الإبراهيمي فكرة تأسيس جمعية تكون نواة للعمل الجماعي، تحت اسم: (الإخاء العلمي) تجمع شمل العلماء والطلبة، وتوجّه جهودهم، وتقارب بين مناحيهم في التعليم والتفكير، وتكون صلة تعارف بينهم، ومزيلة لأسباب التناكر والجفاء...). ثم حدثت حوادث عطّلت المشروع الذي كان لابد له من زمن أوسع، حتى يتخمّر وتأنس إليه النفوس التي ألفت التفرقة.. بعدها انصرف ابن باديس إلى تأسيس الصحافة الإصلاحية، فكانت (المنتقد) ثم (الشهاب)، التي كان لها في سنتها الثانية والثالثة دعوة إلى مثل تلك الجمعية، وكان كُتّاب (الشهاب) إذ ذاك قد كتبوا في ذلك الموضوع، وكانت تلك الأفكار والأقوال تمهيدًا للعمل.
وتمهيدًا لجمع شمل العلماء في الجزائر تحت لواء التنظيم المنشود، بادر ابن باديس إلى تأسيس: (جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة).
المبحث الثاني : جمعية التربية والتعليم الإسلامية
وهي أول جمعية إسلامية تعنى بالتربية والتعليم، يرخّص لها في قسنطينة، وقد كان مكتب التعليم العربي النواة الأولى التي انبثقت عنها هذه الجمعية، التي اختارت الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيسًا لها.
وعن تأسيس هذه الجمعية يقول ابن باديس: (وفي سنة 1349هـ ـ 1930م، رأيت أن أخطو بالمكتب -مكتب التعليم العربي- خطوة جديدة، وأخرجه من مكتب جماعة إلى مدرسة جمعية، فحررت القانون الأساس لجميعة التربية والتعليم الإسلامية، وقدّمته باسم الجماعة المؤسسة إلى الحكومة، فوقع التصديق عليه).
وقد تميّزت طبيعة المرحلة التي أنشئت فيها هذه الجمعية بعدة أمور، نذكر منها ما يلي:
1 ـ تضاعف نشاط الإرساليات التبشيرية في الجزائر.
2 ـ انحسار التعليم العربي الإسلامي.
3 ـ مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسي للجزائر.
ولذلك فقد أخذ القانون الأساس للجمعية تلك المعطيات وغيرها بعين الاعتبار، وركّز على الجوانب الآتية:
1 ـ جعل المقصد الرئيس لهذه الجمعيــة هو نشــر الأخــلاق الفاضلــة والمعارف العربية والفرنسية، وعدم الخوض في الأمور السياسية، تفاديًا للاصطدام بالسلطات، التي تعيش في غمرة التحضير لاحتفالات مرور قرن على الاحتلال.
2 ـ تأسيس مكتب لتعليــم أبنــاء المسلمين الذين لــم يتمكنـــوا من الالتحاق بالمدارس الحكومية، وتثقيف أفكارهم بالعلم باللسانين العربي والفرنسي.
3 ـ تأسيس ملجأ لإيواء اليتامى، الذين تتربص بهم البعثات التنصيرية لاحتوائهم وإبعادهم عن دينهم.
4 ـ تأسيس معمل للصنائع، بمثابة ورشات يتدرّب فيه الطلبة على مختلف الحرف، حتى إذا ما تخرّجوا سَهُل اندماجهم في الحياة العامة.
5 ـ إرسال البعثــات العلميــة إلى بعض جامعــات الـدول الإسلاميــة، لإتمام تحصيلهم العلمي، وإعدادهم لغد مشرق، يكونون فيه -بإذن الله- قادة يسوسون أمتهم وأمور حياتهم، ويجمعون شتاتها، ويعيدون لها أمجادها وقوتها.
كما عزمت الجمعية على فتح قسم خاص لتعليم البنات، وتربيتهن التربيــة الإسلاميــة الصحيحــة، إدراكـًا بأن المجتمــع لا يمكــن أن ينهـــض إلا بالجنسين، الرجل والمرأة، كمثل الطائر لا يطير إلا بجناحيه.
ويشرح لنا ابن باديس أهمية ذلك فيقول: (إذا أردنا أن نكوِّن رجالاً، فعلينا أن نكوِّن أمهات دينيات، ولا سبيل لذلك إلا بتعليم البنات تعليمًا دينيًا، وتربيتهن تربية إسلاميـة.. وإذا تركناهنّ علـى ما هنّ عليه من الجهل بالدين، فمحال أن نرجو منهن أن يكوِّنَّ لنا عظماء الرجال). وقد جعلت الجمعية تعليم البنات مجانًا، لتتكون منهن -إن شاء الله- المـــرأة المسلمــة المتعلمـــة. وأمـــا البنــون فلا يدفع منهـــم نفقــات التعليــم إلا القادرون على ذلك، وهي في الحقيقة نفقات رمزية، سعيًا لتيسير الاشتراك على جميع طبقات الأمة.
إن جوانب الإصلاح الإسلامي كثيرة ومتعددة، إلا أن جمعية التربية والتعليم الإسلامية اهتمت بالنشاط التربوي، والتعليم بوجه خاص، ذلك لأهمية هذا القطاع وحيويته بالنسبة لمستقبل الأمة، وتماشيًا مع ما تتطلبه تلك المرحلة من أولويات.
وما هي إلا أشهر قليلة إلا والعلماء في الجزائر يستعينون بأداة عصرية أخرى في حركتهم الإصلاحية، حيث أسسوا جمعية لهم تجمع شملهم وتوحّد صفوفهم.
فكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، استجابة واعية لما تقتضيه التحديات الخطيرة، التي تواجهها الأمة الجزائرية في تلك المرحلة.
ولإن اقتصرت جمعية التربية والتعليم الإسلامي على جانب التربية والتعليم، فإن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وسّعت نشاطها ليشمل جوانب أخرى من حياة الأمة، وفق منهج واضح وأهداف محددة. ذلك ما سنتطرق له بالبحث والدراسة في المبحث القادم، إن شاء الله.

المبحث الثالث : جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
كما مرّ معنا، فقد بُذلت جهود كبيرة لتجميع وحشد القوى والطاقات تحت راية واحدة، لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالأمة، مع ذلك فقد تضافرت ظروف عديدة وعوامل كثيرة، ساهمت جميعها في إظهار (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) إلى الوجود، نذكر منها ما يلي:
1 ـ الظروف التي نشأت فيها الجمعية :
أ ـ مـــرور قــــرن كامــل علـى الاحتــلال الفرنسي للجــزائــر، واحتفــال الفرنسيين بذلك، استفزازًا للأمة، وإظهارًا للروح الصليبية الحاقدة التي يضمرونها للإسلام والمسلمين.
ب ـ التحضير للمؤتمر الإسلامي الذي عُقد في القدس برئاسة الحاج أمين الحسيني، في ديسمبر 1931م، الذي كان هدفه توحيد الصف الإسلامي بعد سقوط الخلافة الإسلامية. في تلك الظروف المفعمة بالتحديات، ظهرت جمعية العلماء للوجود.
2 ـ العوامل التي ساعدت على ظهور الجمعية :
أ ـ تسرب الدعوات الإصلاحية المشرقية عن طريق الصحافة.
ب ـ الثورة التعليمية التي أحدثهـا الشيـــخ عبد الحميــد بن بــاديـس بدروسه الحية ومنهجه التربوي القويم، والتعاليم الإسلامية الحقة التي كان يبثها في نفوس مريديه.
جـ ـ التغييـــر الفكــري الـذي ظهـــر بعد الحــرب العالميــة الأولى، حين سقطت أقنعة المشعوذين، الذين أماتوا على الأمة دينها بخرافاتهم وبدعهم، وتسلطهم على الأرواح والأبدان باسم الدين.
د ـ عودة فئة من أبناء الجزائر الذين درسوا في الحجاز وبلاد الشرق، متشربين الأفكار الإصلاحية الناضجة المتخمرة.
نشأة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
تجدر الإشارة هنا إلى أنه في سنة 1927م، تم تأسيس (نادي الترقي) في مدينة الجزائر، بجهود بعض رجالاتها، وكان من أهدافه تثقيف مسلمي الجزائر، وإعانة الفقراء، وقد استدعى مؤسسو هذا النادي، الشيخ (الطيب العقبي) ليقــوم فيه بالوعــظ والإرشــاد على غـــرار ما يقـــوم به الشيخ عبد الحميد بن باديس في قسنطينة.
وقد ألقى ابن باديس فيه محاضرة عند افتتاحه، واستمر يتعهده بالمحاضرات ودروس التفسير كلما حل بالعاصمة.. وكان لهذا النادي شرف احتضان الجلسات التمهيدية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قبل أن يصبح مقرها الرئيس في العاصمة.
في هذه الظروف المشحونة بالتحدي والاستفزاز من قِبَل المستعمر من جهة، وإحساس الأمة الجزائرية -التي دب فيها دبيب الحياة- بسوء الحال التي هي عليها، وشعورها بلزوم إصلاح عام يشمل الدين والعلم والاجتماع، من جهة أخرى... في هذه الظروف ظهرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رسميًا للوجود، في 5 مايو سنة 1931م، وقد انتخب أعضاؤها: الشيخ عبد الحميد بن باديس بالإجماع رئيسًا لها، في غيابه، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي نائبًا له.
وكان المجلس الإداري الأول للجمعية غير منسجم، لمكان العجلة والتسامح، فكان من بين أعضائه أولو بقية يخضعون للزوايا وأصحابها، رَغَبًا ورَهَبًا، كما ذكر ذلك الشيخ الإبراهيمي، إلا أن المناصب الرئيسة فيه كانت من نصيب علماء الإصلاح.
أهداف جمعية العلماء :
لقد كان ابن باديس ورفاقه أعضاء جمعية العلماء، من الحصافة بمكان، حيث أبدوا أشياء وأضمروا أخرى، مكتفين في تصريحاتهم الرسمية بإعلان الدعوة إلى الإصلاح الديني والتعليمي حذرًا. فقد جاء على لسان رئيسها: (أن الجمعية يجب أن لا تكون إلا جمعية هداية وإرشاد، لترقية الشعب من وهدة الجهل والسقوط الأخلاقي، إلى أَوْج العلم ومكارم الأخلاق، في نطاق دينها الذهبي وبهداية نبيها الأمي، الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، عليه وآله الصلاة والسلام، ولا يجوز بحال أن يكون لها بالسياسة وكل ما يتصل بالسياسة أدنى اتصال، بعيدة عن التفريق وأسباب التفريق...).
ويضيف ابن باديس قائلاً: (إن المسلمين هم السواد الأعظم في وطنهم، فإذا تثقفوا بالعلم، وتحلوا بالآداب، وأُشْرِبُوا حبّ العمل، وانبعثت فيهم روح النشاط، كان منهم كل خير لهذا الوطن وسكانه على العموم، بما يُسرّ به الحاكم والمحكوم).
ويختصر لنا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مهمة الجمعية بقوله: (إن المهمة التي تقوم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأدائها، وهي السير بهذه الأمة إلى الحياة عن طريق العلم والدين، هي أقوم الطرق وأمثلها وأوفقها لمزاج الأمة...).
والحقيقة أن جمعية العلماء المسلمين، أدركت بوضوح أن العلة في بقاء الاستعمار جاثمًا على صدر الأمة دهـرًا طويلاً، تكمـن في ما يسمى بالقابلية للاستعمار، والتي مردها إلى ما طرأ على الشعب من انحراف في عقيدته وفكره، وأن العلاج الصحيح يتمثل في إزالة تلك العلة من أساسها، وهو ما يعبّر عنه الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، بقوله: (إن القضية عندنا منوطة أولاً بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته). أو كما قال أحد الصالحين: (أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم). وذلك مصداقًا لقول الحق تبارك وتعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )(الرعد:11).
ويمكننا القول: بأن الجمعية ركّزت في مراحلها الأولى على الأهداف التالية:
1 ـ إصلاح عقيدة الشعب الجزائري، وتنقيتها من الخرافات والبدع، وتطهيرها من مظاهر التخاذل والتواكل التي تغذيها الطرق الصوفية المنحرفة.
2 ـ محاربة الجهل بتثقيف العقول، والرجـوع بها إلى القــرآن والسنــة الصحيحة، عن طريق التربية والتعليم.
3 ـ المحافظة على الشخصيـــة العربيــة الإسلاميــة للشعـب الجزائـــري، بمقاومة سياسة التنصير والفرنسة التي تتبعها سلطات الاحتلال.
والشيء الذي تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو أنه رغم أن الفصل الثالث من القانون الأساس للجمعية، يحرّم عليها الخوض في المسائل السياسية، إلا أن هذه الأخيرة قد تركت لأعضائها كامل الحرية للخوض في السياسة، بصفتهم الشخصية لا بوصفهم أعضاء فيها، حفاظًا على كيان الجمعية واستمرار مسيرتها
المبحث الرابع : من مواقف جمعية العلماء
من خلال الأهداف التي حددتها الجمعية لنفسها، تظهر المسؤولية العظيمة التي تصدّرت للقيام بأعبائها، وفيما يلي نذكر بعضًا من مواقف الجمعية في الإصلاح الديني، بمعناه الشامل:
الجمعية والطرق الصوفية:
كما ذكرنا عند حديثنا عن نشأة جمعية العلماء، بأن مجلسها الإداري الأول لم يكن منقحًا ولا متجانس الأفكار، فقد ضمّ إلى جانب رجال الإصلاح، بعض الطرقيين ورجال الدين الرسميين، الذين أخفقوا في احتواء الجمعية وتصريفــها وفـــق مصالحهم وأهوائهم، (فما أكملوا السنة الأولى حتى فرّوا من الجمعية، وناصبوها العداء، واستعانوا عليها بالظلمة، ورموها بالعظائم... ذلك لأنهم وجدوا كثيرًا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها الجمعية، هم مصدرها، وهي مصدر عيشهم، ووجدوا قسمًا منها مما تُغْضِبُ محاربته سادتهم ومواليهم).
وبدعم من سلطات الاحتلال، تأسست (جمعية علماء السنة) في خريف سنة 1932م، تضم الطرقيين ورجال الدين الرسميين إضافة إلى بعض العلماء المأجورين، لمناهضة جمعية العلماء، ومناصبتها العداء.. ودعّموا حملتهم بإصدار بعض الصحف، منها (المعيار) و(الرشاد)، وقد انضمت إلى هذه الحملة جريدة النجاح التي كانت في بدايتها إصلاحية.
لم يكن الموقف الحازم الذي وقفته الجمعية تجاه انحرافات الطرقيين وليد نشـأتها، بل كان امتدادًا للنهج الذي سار عليه ابن باديس والمصلحون من قبل.
ولقد علمت الجمعية بعد التروي والتثبت، ودراسة أحوال الأمة ومناشئ أمراضها، (أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام، هي سبب تفرّق المسلمين... وأنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا).. ويوضح لنا الشيخ الإبراهيمي الدوافع وراء محاربة ضلالات الطرقيين، فيقول: (ونعلم أننا حين نقاومها، نقاوم كل شرّ، وأننا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال).
الجمعية والتعليم:
لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركّزت على التعليم الإسلامي العربي، وإنشاء المدارس، وحثّ الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من أبناء المسلمين، فالتعليم هو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته.
وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهـر الإسلام... فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم).. وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد ومحو الأمية، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هاجروا إلى فرنسا حيث يشكلون جالية كبيرة.
فقد تنبّهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمُعَرَّضِين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم.
وقد كانت جهود الجمعية في هذا الميدان تدور على محاور ثلاثة:
1 ـ إحداث مكاتب حرّة للتعليم المكتبي للصغار.
2 ـ دروس الوعظ والإرشاد الديني في المساجد العامة.
3 ـ تنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة، في النوادي.
الجمعية والتجنيس :
كانت سياسة فرنسا منذ وطئت أقدام جيوشها أرض الجزائر، ترمي إلى الإدماج السياسي الكامل لهذا الوطن، وتذويب شعبه في ثقافتها الغربية، تمهيدًا لفرنسته وتنصيره.
ومع تعاقب الأحقاب، ظهرت بين الجزائريين فئة تربت في مدارس الاستعمار، تدعو وترغّب في التجنّس بالجنسية الفرنسية، والتخلي عن أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، بغية الحصول على بعض الحقوق السياسية، ولم تكن جمعية العلماء لتسكت عن هذه المسألة الخطيرة، بل كانت أول من تصدى لها وحاربها في الخطب العامة، والمحاضرات وفي الصحف، موضحة حكم الإسلام في ذلك.. ولما أصرّ دعاة التجنس على توسيع دعايتهم، وعقدوا اجتماعهم العام في ربيع سنة 1934م، لمطالبة الحكومة بتسهيل التجنيس، سعيًا منهم لتكثير سوادهم، أصدرت جمعية العلماء على لسان رئيسها، الفتوى الشهيرة بتكفيــر مــن يتجنس بالجنسيــة الفرنسيــة، ويتخلـى عن أحكــام الشريعــة الإسلامية، جاء فيهـــا: (التجنـس بجنسيــة غيــر إسلاميــة يقتضـي رفض أحكام الشريعة، ومن رفض حكمًا واحدًا من أحكام الإسلام، عُدَّ مرتدًا عن الإسلام بالإجماع، فالمتجنّس مرتدّ بالإجماع).
ورغم المضايقات الشديدة من طرف الاستعمار، حققت جمعية العلماء نجاحًا كبيرًا في تصحيح عقائد الجزائريين، وتطهيرها من شوائب الشرك، والرجوع بهم إلى منابع الإســلام الأصيلــة، كتــاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه و سلم يستنيرون بها في دينهم ودنياهم، مقدمة لهم العلم النافع، فالتفّ حولها الشعب وآزرها وأيّدها -بإذن الله- في وقت كانت تتناثر فيه الجمعيات كحَبِّ الحَصيد.
وقبل أن أختتم الكلام عن جمعية العلماء، لا يفوتني في هذا المقام أن نتعرف على أولئك الأسود الأشاوس، رجال العلم، الذين ساهموا بقوة في تأسيس هذه الجمعية المباركة، والذين شدّوا أزر الإمام ابن باديس، وأولوه شرف الثقة والإخلاص، نذكر منهم:
1 ـ الشيخ محمد البشير الإبراهيمي (1889-1965م)، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثم رئيسًا لها بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1940م، من أبرز قادة الحركة الإصلاحية السلفية في العالم العربي، عضو المجامع العلميّة العربية في القاهرة ودمشق وبغداد، عالم بالأدب والتاريخ واللغة العربية وعلوم الدين.
2 ـ الشيخ الطيب بن محمد العقبي (1890-1960م)، كاتب، صحفي، وخطيب، من رجالات الحركة الإصلاحية الإسلامية، هاجر مع أسرته إلى المدينة المنورة سنة 1895م، أخذ العلم عن مشايخها، ودرّس بالمسجد النبوي الشريف، ولاّه الشريف حسين رئاسة تحرير جريدة (القبلة)، خلفًا للكاتب الإسلامي الشهير (محب الدين الخطيب)، عاد إلى الجزائر سنة 1920م، أصدر جريدة (الإصلاح)، وشارك في تأسيس جمعية العلماء، واختير نائبًا للكاتب العام بها، تولى الوعظ والإرشاد في (نادي الترقي) بالعاصمة، استقال من الجمعية قبيل الحرب العالمية الثانية، حين عارضه أغلب أعضاء الجمعية في مسألة تأييد فرنسا في حربها ضد ألمانيا.
3 ـ الأستاذ محمد الأمين العمودي (1890-1957م): شاعر، وصحفي، من رجالات الحركة الإصلاحية، اشتغل بالمحاماة الشرعية، اختير أول كاتب عام لجمعية العلماء سنة 1931م، نظرًا لمقدرته الكتابية بالعربية والفرنسية.
أنشأ جريدة الدفاع La Defence للدفاع عن حقوق الشعب الجزائري، وشارك في أغلب الصحف الإصلاحية.
4 ـ الشيخ العربي بن بلقاسم التبسيّ (1895-1957م): أحد رجال الفكر الإصلاحي، ومن أبرز أعضاء جمعية العلماء، درس في الزيتونة والأزهر، اختير سنة 1935م كاتبًا عامًا للجمعية، ثم نائبًا لرئيسها الشيخ الإبراهيمــي سنــة 1940م، وكــان مديــرًا لمعهــد ابن بـــاديس بقسنطينــة سنة 1947م، خطفه الفرنسيون في 17 أبريل سنة 1957م واغتالوه.
5 ـ الشيـــخ مبــارك بن محمــد الميلــي (1897-1945م): أحد أقطاب الحركة الإصلاحية تعليمًا وتأليفًا، ثم تكوينًا وتسييرًا (يمتاز في كتاباته بدقة التحليل، وعمق التفكير، ولذلك كان يُطلق عليه: فيلسوف الحركة الإصلاحية)، تولى رئاسة تحرير جريدة (البصائر)، لسان حال جمعية العلماء، كما كان مسؤول المالية في الجمعية.
من مؤلفاته: رسالة الشرك ومظاهره، وتاريخ الجزائر في القديم والحديث، في جزأين.
هؤلاء هم أبرز رجالات الجمعية الذين حملوا مشعل الإصلاح، وصارعوا ظلمات الجهل والانحراف، (وصبروا وصابروا من أجل الحفاظ على الشخصية العربية الإسلامية للشعب الجزائري، وهم في ذلك كمثل السحاب ساقه الله إلى بلد ميت، فلا يقلع حتى يُحييه... وإن سائق المطر للبلد الميت، هو سائق هذه الجمعية لهذا الوطن المشرف على الموت... وإن جاعل المطر سببًا في إحياء هذه الأرض، هو جاعل هذه الجمعية سببًا في إحياء هذا الوطن).


يتــــــــــــــبعــ


ابن باديس وجهوده التربوية 3

ماسينيسا
طالب نشيط
ماسينيسا
طالب نشيط

السٌّمعَة : 30
ذكر
نقاط : 1460
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Empty
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Clock13 2012-02-11, 7:04 pm

[ thanks ]

مرسي

[على] الموضوع تستاهل تقييم و تشجيع [على]
المجهودات الرائعة
ننتظر

منكـ
المزيد |
دمت مبدعا و بـــ الله
ـــاركـ فيك
تح
ــياتي وشكري ليك
دمت


ابن باديس وجهوده التربوية 3

استاذ المنتدى
طالب نشيط
استاذ المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 34
ذكر
نقاط : 1989
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Empty
http://omaarab.7olm.org/
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Clock13 2012-02-19, 7:09 pm

مشــكور على الموضوع

و علـــ إفادتك

لنا و للجمـــيعـ ـــى

ننتظر المزيد من

إبداعاتك و نشاطك

وإفادتك


ابن باديس وجهوده التربوية 3

مدرس المنتدى
طالب نشيط
مدرس المنتدى
طالب نشيط

السٌّمعَة : 35
ذكر
نقاط : 1936
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Empty
ابن باديس وجهوده التربوية 3 Clock13 2012-03-28, 9:16 pm

بارك الله فيك فيك يا بطل

نتظر مزيد من الإبداعات


 مواضيع مماثلة

-
» ابن باديس وجهوده التربوية 4
» ابن باديس وجهوده التربوية 2.doc
» ابن باديس وجهوده التربوية.doc
» ابن باديس وجهوده التربوية 5
» ابن باديس + بيت شعري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى :: بــــحوث مدرسية-

Urban Leveling manga | Sweet Enemy manga | Black Queen manga | D-List Actress On The Rise manga | Emp’s Contracted Ex manga | Marry to Find Love manga | Mind-Reading Princess manga | Help! My Pokeman Boyfriend Is real | Exclusive Possession of Your Heart manga | Her Majesty Is Busy manga | raw manga | The Strongest God King | read raw manga | Versatile Mage manga | Release That Witch | Springtime for Blossom | Tales of Demons and Gods | تفسير حلم الثعبان | تفسير حلم قص الشعر | تفسير حلم الحمل | initial d apk | h tweaker apk | apk hello neighbor | Apk D-Touch 4.1 | apk jio 4g voice